هذه عقيدة السبئية وليست عقيدة أهل البيت!!

د. فيحان بن سرور الجرمان

هذه عقيدة السبئية وليست عقيدة أهل البيت!!

الحمدلله رب العالمين، وبعد:

العقيدة السبئية هي أكثر انتشاراً في العالم الإسلامي، ويزعم مروجوها أنها تمثل منهجية أهل البيت، ومع الأسف الشديد أن الكثير من الجهلة والمقلِّدة يظنون أن هذه العقائد والأعمال التي تمارس هي مستمدة من عقائد وأعمال أهل البيت، وهي ليست كذلك، بل الصحيح أنها مستمدة من مذهب السبئية، ولعلك تلحظ جلياً كيف أن دول الكفر -وبالأخص بريطانيا- تلمع مذهب السبئية وترعاه؛ لأنهم يدركون بأنه هو أفضل وسيلة لضرب السنة والشيعة وإحياء الطائفية، وهو أيضاً أفضل معوِّلٍ لهدم الإسلام الصحيح، وبعض المعممين يدركون ذلك، ولكن لأجل الخُمس، وما يدخل في جيوبهم من الأموال والعطايا يجعلهم يصمتون بل ويخدعون السذج أن هذا هو منهج أهل البيت، وأهل البيت براء من هذه العقائد والأعمال المشينة.

وإن أهل البيت وعلى رأسهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- يحذرون من مذهب السبئية الباطنية ومن عقائدهم الباطلة.

مذهب السبئية:

السبئية نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، ويتسم ويتميز مذهب السبئية بأمور ظاهرة لكل عاقل:

الأمر الأول: الغلو في أهل البيت.

وعبد الله بن سبأ اليهودي هو أول من غلا بحب علي -رضي الله عنه-، وفي نهج البلاغة: «إن أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبأ».

الأمر الثاني: أول مدعٍ لألوهية علي هو عبد الله بن سبأ اليهودي.

قال عبد الله بن سنان: إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله، فبلغ ذلك أمير المؤمنين، فدعاه وسأله، فأقر بذلك وقال: أنت هو. فقال له: ويلك؛ قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فلما أبى حبسه. [كتاب مناقب آل البيت لمؤلفه ابن شهر آشوب].

الأمر الثالث: أول من نادى بولاية علي بن أبي طالب، ومن لم يؤمن بالولاية فهو كافر حلال الدم.

قال الكشي في كتابه المسمى «رجال الكشي  ص107» -وهو من علماء الشيعة-: ذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى عليا (ع)، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله في علي (ع) مثل ذلك، وكان أول من شهر بالغلو بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم.

الأمر الرابع: الطعن واللمز في الصحابة، وهو أول من أظهر الطعن والشتم في الصحابة.

وعبد الله بن سبأ اليهودي تستر بحب أهل البيت، وأظهر مشايعتهم والشفقة عليهم، وأن حقهم أخذه أبو بكر وعمر وعثمان، وذلك من أجل هدم الإسلام وتمزيقه وضرب وحدة الأمة.

فعن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله «ع»: إنا أهل بيت صادقون، لا يخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله أصدق البرية لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين «ع» أصدق من برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله. [راجع كتاب بحار الأنوار للمجلسي ورجال الكشي].

وذهب الأردبيلي في كتابه «جامع الرواة المجلد 1 /485»: أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي ونبوته.

فما نراه اليوم من غلو في أهل البيت، وسب للصحابة فهو مذهب للسبئية، وليس هو مذهب شيعة أهل البيت، قال علي بن الحسن «ع»: لعن الله من كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد أدعى أمراً عظيما ماله لعنة الله كان علي «ع» والله عبداً لله صالحاً أخو رسول الله، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله الكرامة من الله إلا بطاعته. [كتاب رجال الكشي ص106].

وقال النوبختي وهو من علماء الشيعة في كتابه «فرق الشيعة وهو من القرن الرابع الهجري»: «أول من طعن في أبي بكر وعمر وسائر الصحابة هو عبد الله بن سبأ اليهودي….. الخ».

وهذه الرواية وغيرها تدل دلالة على أن عقيدة السب في الصحابة مأخوذة من هذا اليهودي السبئي، فانتشر مذهب السبئية في دولة فارس وطورته وتسترت بستار حب أهل البيت لتمزيق الأمة وإحياء الطائفية بينهم.

إن أقوال أهل البيت الصحيحة التي توافق الحق هو الثناء على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن كتب السبئية لا تخلو من الطعن فيهم، وذلك بسبب ما أدخله أعداء الدين كعبد الله بن سبأ اليهودي.

أيها القارئ..

اعلم -رحمك الله- أنه لا يوجد عداء بين الخلفاء الراشدين أنفسهم -ولله الحمد- ولا بين الصحابة بالمفهوم وبالمعنى الذي سطره السبئية في كتبهم كذباً وزوراً، وقد يقع خلاف بين الأحبة والإخوان كما يقع في الأسرة الواحدة، وقد يحصل قتال، ولكن يظل الكل في دائرة الإيمان، ولكل واحد له حق في الإسلام.

قال تعالى {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما}، ولم يخرجهم الله عن مسمى الإيمان مع وجود الاقتتال.

والواجب على المسلم العاقل تجاه هذا الخلاف أن يطويه ولا يرويه، ولكن السبئية طوروا الخلاف، وأبرزوه على الساحة وأيام محرم وبالأخص يوم عاشوراء، وفي القنوات والمسرحيات بطريقة التمثيل للأحداث مع مواويل حزينة تتظمن كذباً؛ لأجل إثارة العواطف من جهة محبي أهل البيت، ومن جهة أخرى لكي يزداد الشقاق بين المسلمين، وقد أحيا السبئية الطائفية المقيتة بكل صورها في المجتمعات الإسلامية.

إن العداء الذي يُثار بين الصحابة بين الحين والآخر ولا سيما في أيام محرم؛ عداء وهمي أنشأه أعداء الإسلام بين الآل والأصحاب؛ ليمزقوا وحدة الأمة الإسلامية، وقد نجح الفرس بهذه المكيدة، حتى دسوا أحاديث كثيرة، وكذبوا على أهل البيت ليزداد الكره والعداء بين السنة والشيعة، كما زعمت السبئية كذباً وزوراً أن عمر بن الخطاب كسر ضلع فاطمة، والمستفيد من هذا النزاع وإثارة الطائفية: هي دولة فارس المجوسية، وجعلوا بعض العرب مطية لهم لنشر مذهب ابن سبأ بستار حب أهل البيت!

والحق الذي لا مرية فيه عند العقلاء: أنه لاخلاف بين الصحابة لا سيما بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم أجمعين-، وتربطهم أخوة الدين على ما بينهم من ترابط نسب ومصاهرة.

المصاهرة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الخلفاء الراشدين:

فقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعائشة بنت أبي بكر الصديق فحصل بينهما مصاهرة ونسب.

وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بحفصة بنت عمر بن الخطاب فحصل بينهما مصاهرة ونسب.

وزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنته لعلي بن أبي طالب.

وزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بنته رقية لعثمان بن عفان ثم ماتت، وزوجه بنته الأخرى أم كلثوم لعثمان بن عفان، ومن هنا لقب عثمان بذي النورين؛ لأنّه حظي بابنتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا يدل دلالة واضحة لكل من له عقل أو ألقى السمع وهو شيهد على عمق العلاقة العميقة والحميمة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين، فقد سارت على مودة بينهما وتعاون ووئام، وأسهمت هذه المودة في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام بين الأنام.

مصاهرة الآل والأصحاب:

زوّج علي -رضي الله عنه- ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، وهذه المصاهرة التي تمَّت بين علي وبين عمر متفق عليها، حتى الشيعة أنفسهم لا ينكرونها، ولم تحدث بين علي وبين الخلفاء الراشدين إلا هذه المصاهرة، وهذه المصاهرة تدل على المحبة بينهما، ولا يوجد عداء كما أوهمها السبئية.

مصاهرات بين أولاد الآل وأولاد الخلفاء الراشدين:

أولاً: تزوج الحسين بن علي -رضي الله عنهما- حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.

ثانياً: تزوج محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين أم فروة، وهي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدِّيق، وهي أم جعفر الصادق، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بنت أبي بكر الصديق، فكان جعفر الصادق يفتخر ويقول: ولدني أبو بكر مرتين، فهو ينتسب من جهة الأب والأم إلى أبي بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-، وهذه المصاهرة تدل على المحبة والألفة والترابط وحب التقرب بعضهم إلى بعض، لا كما يدعي من يسير على مذهب السبئية أن بينهما عداء.

أهل البيت سموا أبناءهم بأسماء الخلفاء الراشدين:

أولاً: علي -رضى الله عنه- سمى أبناءه بأسماء الخلفاء الراشدين: عمر الأكبر، أبو بكر، عمر الأصغر، عثمان الأكبر.

ثانياً: محمد بن علي المسمى بالحنفية سمى ابنه عمر.

ثالثاً: الحسن بن علي بن أبي طالب سمى أبناءه: أبا بكر وعمر.

رابعاً: الحسين بن علي سمى أبناءه أبا بكر وعمر.

وهذا إن دل فإنما يدل على محبة أهل البيت لأصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإحياء ذكرهم ولو بالاسم، وأنه لا يوجد العداء الذي يصوره الرافضة السبئية بين الآل والأصحاب.

ولذلك لا يمكن ويمتنع أن يسمي أحد الرافضة السبئية -كياسر حبيب- ابنه بصدام حسين، لماذا؟ لأنه يبغضه! بل لا يمكن أن يسمي ابنه بأبي بكر -رضي الله عنه- لأنه يبغضه ويكفره، فالإنسان لا يسمي إبنه باسم رجل قاتل أباه أو عدواً له.

فتسمية الآل أبناءهم بأسماء الخلفاء دليل على حبهم، وأن الصحابة أمة واحدة في المحبة والتآلف، وأنهم اجتمعوا على نصرة الدين، وأن الأعداء من السبئية هم الذين اختلقوا هذه الخلافات؛ ليفتتوا وحدة الأمّة، ويمزقونها كل ممزق؛ لكي يذهب ريحها وقوتها.

أيها القارئ..

هناك ثلاث طوائف:

قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}

وقال تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

هذه الآيات ذكرت ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: هم المهاجرون.

الطائفة الثانية: هم الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان.

الطائفة الثالثة: هم الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا.

فالسبئية الذين يسبون الصحابة ليست من الطائفة الأولى وهم المهاجرون، ولا من الطائفة الثانية وهم الأنصار، ولا من الطائفة الثالثة وهم الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا.

أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

كتبه: أبو محمد فيحان بن سرور الجرمان


شارك المحتوى: