نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استقبال الْقِبْلَةِ واستدبارها عن قضاء الحاجة، وجاء في حديث :أنه استدبرها، فبماذا يكون الجمع ؟


نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استقبال الْقِبْلَةِ واستدبارها عن قضاء الحاجة، وجاء في حديث :أنه استدبرها، فبماذا يكون الجمع ؟

 

يقال جوابًا على هذا السؤال : النهي عن استقبال الْقِبْلَةِ واستدبارها جاء في أحاديث عدة، منها:

حديث أبي أيوب الأنصاري في الصحيحين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَسْتَدْبِرُوا الْقِبْلَةِ ولَا تَسْتَقْبِلُوها بغائطٍ ولا بَوْلٍ)).

وفي حديث سلمان في صحيح مسلم قال: ((لا نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ ،ولا بَوْلٍ)).

فهذان الحديثان يدلان على النهي عن استقبال الْقِبْلَةِ واستدبارها.

وللصحابة في هذه المسألة قولان فيما وقفت عليه.

القول الأول: ينهي عن الاستقبال والاستدبار مطلقًا حتى في البنيان، وهذا قول أبي أيوب الأنصاري كما في الصحيحين؛ فإنه ذكر أنه ذهب إلى الشام، وكان يدخل في الحمامات، وكانت مستقبلة الْقِبْلَةِ، قال: ((فننحرف عنها ونستغفر الله)).

والقول الثاني للصحابة: أنهم يجوّزون الاستقبال، إذا كان بينهم وبين الْقِبْلَةِ شيءٌ، ويحرّمونه إذا لم يكن كذلك، أي: يحرّمونه في الفضاء والصحراء، ويجوزونه إذا كان بينهم وبين الْقِبْلَةِ شيءٌ، وهذا هو الثابت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

إذن بما أن للصحابة في المسألة قولين، فليس لنا أن نخرج عن هذين القولين، كما سئل الإمام أحمد: أنه إذا كان للصحابة قولان، هل لنا أن نخرج عن قوليهما؟ قال: هذا قول خبيث، قول أهل البدع، نقله عنه أبو يعلى في كتاب “العُدة”.

فإذن إذا كان للصحابة قولان فليس لنا أن نخرج عن هذين القولين، فإما أن نرجّح القول بعدم جواز استقبال الْقِبْلَةِ مطلقًا في حال البنيان أو الفضاء، كما قال أبو أيوب الأنصاري لما كان يدخل المراحيض في الشام، أو نرجّح القول بالتفريق بين البنيان وغيره.

وإذا نظرنا إلى الأدلة وجدنا الأدلة – والله أعلم- أشبه بقول ابن عمر؛ وذلك أنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر: ((أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة يبول مستدبر الْقِبْلَةِ، ومستقبل بيت الشام)) أي: في البنيان.

فإذن هذا يدل على أن هناك فرقًا بين البنيان والصحراء.

فإنْ قيل: لما لا يقال: إن استدبار الْقِبْلَةِ جائزٌ دون الاستقبال على ظاهر حديث ابن عمر في فعل النبي صلى الله عليه وسلم مستدبر الْقِبْلَةِ ومُستقبل بيت المقدس؟

فيقال: السبب في هذا، أننا ملزمون بأحد قولين: إما بالنهي مطلقًا، أو بالجواز مطلقًا؛ لأن الصحابة على هذين القولين.

إذن الأرجح – والله أعلم- أنه يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان دون الفضاء؛ لذا ابن عمر لما أراد أن يبول وضع دابته أمامه، ثم بال، قال: ((وإنما نهينا عن ذلك في الفضاء))، وإلى هذا القول ذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية.

وأؤكِّد أن الذي دعا إلى هذا أن الصحابة مختلفون على قولين، وليس لنا أن نخرج عن هذين القولين، وأن القول المفرِّق هو أشبه بالأدلة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما استدبر الْقِبْلَةِ في قضاء حاجته .


شارك المحتوى: