من أين جاءنا فكر التكفير…؟

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

من أين جاءنا فكر التكفير…؟

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق(*)

الكثير يتساءل من أين جاءنا فكر التكفير وهناك من ينفي وجود تكفيريين في هذا المجتمع وهناك وهناك وفي الحقيقة أن فكر التكفير دخل مجتمعنا بطريقة سرية مغلفة غير مكشوفة ومعلنة كما يفعله عصابات المخدرات ومروجوها في حيلهم لإدخال تجارتهم الكاسدة عبر منافذ حدود الدول.
إليكم أعزائي القراء إجابة لهذا التساؤل آنف الذكر من أين جاءنا فكر التكفير؟
في المرحلة الجامعية وفي الدراسات العليا أذكر أن أحد أساتذتنا غفر الله له طلب منا إحضار كتاب معالم في الطريق لسيد قطب تجاوز الله عنه فطلب منا قراءته كاملاً وكان يشرحه ويعلق عليه وإليكم بعضاً من قول سيد قطب في هذا الكتاب ولكم الحكم بعد ذلك يقول: (يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله ولكنها تدخل في هذا الإطار أنها لاتدين بالعبودية له وحده في نظام حياتها… فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها… موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة أن يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها). معالم في الطريق طبعة دارالشروق ص101-103.
ويقول أيضاً: (ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله) في ظلال القرآن دار الشروق 2/1057.
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وّاجًعّلٍوا بٍيٍوتّكٍمً قٌبًلّةْ} بعدأن بينا فيما سبق دخول مسلمي العصر في إطار المجتمع الجاهلي يقول: (وهنا يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية – مساجدها- واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي) في ظلال القرآن (3/1816- دار الشروق).
وقال أيضاً: (إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها وإلا تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت في جاهلية) في ظلال القرآن (4/2122- دار الشروق).
وقال: (إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي) في ظلال القرآن 4/2122- دار الشروق.
هذه بعض أقوال سيد قطب التي يقررها محبوه بل الغالون فيه إلى اليوم ومن وراء الكواليس على تلاميذهم ومريديهم سواءً في بعض المؤسسات التعليمية الرسمية أو الأهلية أو في الملتقيات الخاصة سواءً كانت مخيمات دعوية أو استراحات أو غيرها.
وما يشهده واقعنا اليوم من خروج فئة تعتقد وجوب البدء بمقاتلة مرتدي المسلمين وهم علماؤنا وحكامنا بل نحن أيضاً قبل البدء بمقاتلة اليهود والنصارى يؤكد تأثر هذه الفئة المنحرفة عقديا بما اشرنا اليه من اقوال سيد قطب ومن الحقائق المرة التي ينبغي بيانها هنا ان الكثير من المحسوبين على طلبة العلم في ساحتنا اليوم ومن خريجي جامعاتنا الموقرة قد تلقوا هذا الفكر فمنهم من اشربه وسار في عروقه ومنهم من هو اقل من ذلك ومنهم من رفضه ولم يستجب له وهم قلة، ومن الحقائق المرة ايضا والتي يجب ان نعرفها جميعا ان جميع مؤسساتنا قد اخترقت من قبل هؤلاء بل لا أبالغ ان قلت ان بعض كبار مسؤولينا قد تمكن محبو سيد من التأثير في قراراتهم.
قادة هذا الفكر ومنظروه يعملون في مجتمعنا ليل نهار ومنذ قرابة خمسين عاما ينظرون ويقررون وينفثون سمومهم وقد رسموا لأنفسهم خطة محكمة وفق تخطيط دقيق جدا وقد وزعوا ادوارهم ومسؤولياتهم، وتعالوا معي نستعرض سويا واقعنا وما نشهده من احداث مؤسفة جدا ألا تدركون معي ان بعضا من طلبة العلم هداهم الله حينما يظهر على الشاشة أو في المذياع ضمن برنامج أو ندوة عن الأحداث يتسم حديثه بالميوعة والغبش حيال تجريم مثل هؤلاء والمبالغة في تشنيع فعلهم والتحذير منهم بل نرى ونسمع من يحرص على محاولة إقناع السامع أو المشاهد بأنهم اخواننا بغوا علينا وانهم من الكفر فروا وقد تكرر هذا كثيرا عبر وسائل اعلامنا فأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وإذا قررنا ان هؤلاء قد تلقوا في رحلتهم الجهادية التدريبية في حقيقتها كتاب «الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية» وأنهم الآن وبعد ان تدربوا على السلاح انتقلوا الى مرحلة التنفيذ بعد مرحلة التخطيط فالتدريب في برنامج فكرهم المنحرف وعودوا ان شئتم الى مصنفات قادة فكرهم تجدون تفصيل هذه المراحل وبيانها والتأكيد عليها بكل دقة.
التساؤل الذي يرد هنا أين دور كبار علمائنا وأين جهد مؤسساتنا الاعلامية وأين جهد مؤسساتنا الدعوية بل أين جهد خطباء مساجدنا وجمعنا في التصدي لهذا الفكر الخطير والخطير جدا؟
لعلكم تدركون معي جيدا الضعف الشديد في مواجهة هذا الفكر والتصدي له بل من المؤسف والمؤسف جدا انه حينما يظهر من يحاول فضح هذا الفكر والتحذير منه يواجه بحرب شعواء وتعنيف شديد وتخطئة وتجريح ولا ادل على ذلك من محاولة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز حفظه الله فضح هذا الفكر ومثالبه والتحذير منه ولا يخفى على الجميع سلبية الجميع في مؤازرة سموه وتأييده والتأكيد على ما ذكره بل من المؤسف ان بعض طلبة العلم قد تطوع في الرد على سموه وتفنيد ما قرره.
اختم مقالي هذا بنداء لمسؤولينا وفقهم الله بضرورة تخصيص ميزانية كبرى لمواجهة هذا الفكر وتسخير بل تجنيد كل الامكانيات وتوجيه جميع المؤسسات الرسمية ذات الاختصاص لمواجهة هذا الفكر وفضح نوايا هذه الفئة ومنظريها قبل ان يستفحل الامر ويتسع الخرق على الراقع.
والله المسؤول بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ان يجعل تدبيرهم تدميرهم وان يرد كيدهم في نحورهم وان يكفينا شرورهم وهو المسؤول جل وعلا ان يحفظ لهذا البلد أمنه وولاة امره وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

(*) عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية

جريدة الجزيرة – العدد 11378 – الأحد 28 رمضان 1424.


شارك المحتوى: