من أحكام الطلاق

د. يوسف بن محمد السعيد

من أحكام الطلاق

إِنَ الْحَمْدَ لِلَّهِ … أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاشْكُرُوا لَهُ أَنْ هَدَاكُم لِأَحْسَنِ الشَّرَائِعِ وَأَتَمِّهَا.

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِيَدِ الرَّجُلِ؛ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ يَكْفُرُ هَذِه النِّعْمَةَ، وَيَضَعُهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَتَرَاهُ جَعَلَ الطَّلَاقَ عَلَى لِسَانِهِ، إِنْ أَرَادَ تَأْكِيدَ قَوْلِهِ طَلَّقَ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنْ أَرَادَ تَوْثِيقَ عَقْدٍ طَلَّقَ، وَإِنْ أَرَادَ إكْرَامَ ضَيْفٍ طَلَّقَ، وَإِنْ أَرَادَ تَخْوِيْفَ أَهْلِهِ طَلَّقَ، وهَذَا لَعَمْرُ اللَّه نَقْصٌ فِي الدِّيْنِ وَالْعَقْلِ، وَهْوِ مِنْ التَّلَاعُبِ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُن سَلَفُ الأُمَّةِ وَخِيَارُهَا يَجْعَلُونَ الطَّلَاقَ يَمِينًا، وَإِنَّمَا كَانُ الْيَمِينُ عِنْدَهُم بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَدَهُ، أَمَّا هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ، فَجَعَلُوا الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ أَعْظَمَ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ فِيْمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ:مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ الرِّجَالِ مَنْ إِذَا أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجِهِ لَم يُبَالِ بِالْحَالِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَلَا بِاَلَّذِيْ وَقَعَ، فَتَجِدُه يُطَلِّقُ وَالْمَرْأَةُ حَائِضٌ، أَوْ يُطَلِّقُ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيْه، أَو يُطَلِّقُ ثَلَاثًا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا حَرَامٌ {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ: أن يُطَلِّقَ الرَّجُلُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فِي طُهْرٍ لَم يُجَامِعْهَا فِيْهِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُوَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَخُذُوا بِمَا شَرَعَ اللَّهُ لَكُم تَجِدُونَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَلَذَّةَ الْعَيْشِ. بَارَكَ اللَّهُ…

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ… أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَه طَلَاقًا رَجْعِيًّا، لَم يَحِلَّ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ بَيْتِهَا، وَلَمْ يَحِلَّ لَهَا الْخُرُوجُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا أَنْ يُخْرِجُوهَا ، وَيُشْرَعُ لَهَا أَنْ تَتَجَمَّلَ وَتَتَزَيَّنَ عِنْدَه بِمَا يَدْعُوْهُ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُضَارَّتُهَا حَتَّى تَتَأَذَّى وَتَخْرُجَ، ولا يَجُوزُ لَهَا مُضَارَّتُهُ بِقَبِيحِ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ لِكَي يُخْرِجَهَا قَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }

وَإِذَا كَان لَهُ نِسَاءٌ أُخَرُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ، فَإِنَّ حَقَّهَا لا يَسْقُطُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ عِدَّتِهَا. فَالشُّكْرُ لِلهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ . هَذَا وَصِلُوا وَسَلِّمُوا…


شارك المحتوى: