مناظرة حسن المالكي

محمد بن علي الجوني

مناظرة حسن المالكي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين.

شاهدت مقطعا من مناظرة بين حسن المالكي وأحد المشايخ الفضلاء، ولي على المناظرة مع هذا الباحث ملاحظات نظمتها في ثلاثة اعتبارات:

باعتبار أصول الرجل وقواعده، وبالنظر في منهجه وطريقته في المحاورة، وباعتبار حال من يناظره.

1/ باعتبار أصوله وقواعده:

الذي لحظته بعد طول نظر وتأمل في بحوثه وحواراته، أنّه لا توجد لدى حسن المالكي أصول ضابطة أو قواعد ثابتة يمكن محاكمته إليها سوى بُغضه للصحابة رضي الله عنهم وحقده اللامتناهي على المدرسة العلمية السنيّة التي نشأ وترعرع فيها، غير هذا لا يمكن لك الإمساك بخيط ناظم أو بصيص من نور يهديك إلى المنهج المُتّبع في هذه الأفكار والبحوث المتناثرة.

فالثابت عنده هو الطعن في الصحابة رضي الله عنهم واتّهامهم في دينهم وعدالتهم، وتصيّد أيّ حادثة وقعت في زمنهم لحملها على أسوأ المحامل، لثلبهم والوقيعة فيهم، وكلّ ما سوى ذلك عنده متحوّل يمكن قبوله والتسامح معه.

مقالاته وكتاباته يجمعها العبث والتخريب واللامنهجية والتلاعب بكل القواعد الشرعية المعتبرة عند العلماء أو فهمها بفهم مخترع لم يسبقه إليه أحد، إما بالالتفاف على النصوص وتأولها وإما بالتحايل على الإجماعات المنقولة عن أئمة الدين طبقة بعد طبقة.

لا يمكن أن يسلم لك حسن المالكي بحق مهما أوتيت من آلة علمية وقوة حجاجية، وليس هذا الكلام بطبيعة الحال مدحا له ولا اعترافا بمكانته، لأنّه لا يلتزم بأيّة ضوابط منهجية أو معايير أصولية حال الحوار، إنما يخترع تعريفات من رأسه، واصطلاحات يصطلح مع نفسه بشأنها، ثم يدّعي أن القرآن ينطق بها ويشهد على معناها، هذه كلّ القصّة ..!

فإذا استدللت بآية محكمة وبينت له تفسيرها وعقّبت بإجماع المفسرين على هذا المعنى، فإنه لا يبخع للحقّ، بل يزيده ذلك تماديا وعنادا، فيتّهم المفسرين في دينهم ويطعن في عدالتهم.

وإذا استدللت بحديث مرويّ في الصحاح التي أجمع المسلمون وانعقدت خناصرهم على قبول مروياتها، فهو لا يقبلها ولا يُسلّم بما جاء فيها، ولا يعترف بمناهج المحدثين في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، ولا يرفع رأسا بأحكام علماء الشأن، وإنما يعوّل في ردّ الأحاديث الصحيحة إلى مزاجه الشخصي وارتياحه النفسي لقبول الحديث من عدمه، هادما جهود المحدثين وكتبهم ومصنفاتهم بجرّة قلم وهوى مستكنّ.

2/ باعتبار منهجه في المحاورة:

تتكرر طريقة حسن المالكي في المناظرة، ولا يتنبّه كثير من الأشياخ المحاورين له إلى ذلك، فيبدأ في الطعن في الصحابة رضي الله عنهم بكلمات قبيحة وعبارات نابية، فيستفزُّ خصمه، ويُخرج الشيخ المواجه له عن طوره، مما يفقدهُ اتّزانه، وينسى المَحَاور التي جاء ليتكلم عنها، فيُطلق الشيخ المخاصم له تهديدات وكلمات غير مسؤولة تضره أكثر مما تنفعه، وتدينهُ أكثر مما هي تعتبر دفاعا عن الصحابة وذبًا عن أعراضهم، فيما يبقى حسن المالكي في قمّة الهدوء والاتزان وضبط النفس.

وهذا له أثر على المشاهدين؛ فإن أكثرهم لا يعرفون شيئا عن أصل هذه المسائل المتنازع عليها ولا يفقهون معاقد الإجماع ومواطن الخلاف ولا يعرفون منهج أهل السنّة في التعامل معها، ولا يدرون شيئا عن مواضع هذه المسائل في كتب أهل العلم ومدوناتهم.

فيُعجب المشاهدون بهدوء هذا المحاور واتزانه وضبطه لنفسه، فيما يمقتون عصبية الشيخ المقابل له وخروجه عن طوره وفقده لاتزانه، ويتهمونه بالانغلاق وضيق العطن وقصور الباع، وهذه أحكام محايدة تسيءُ للمنهج وتشوهه، فخرج هذا الشيخ الذي جاء للدفاع عن المنهج الحقّ من المناظرة متهما بسوء خلقه وعدم تأدبه بآداب الحوار.

وقد رأيت من قام بإعداد محاورة معه، فقام بطرده في أثنائها، لما استُفزّ وتلفت أعصابه، وكأنّه لا يعلم من قبل أن حسن فرحان يقدح في الصحابة وينال من مكانتهم، فإما أن تناظره ملتزما بآداب المناظرة عالما بحدودها وما يدور في أروقتها وإما أن تدعهُ لمن يُحسن مناظرته، ويعرف مواطن الضعف والوهن في خطابه.

وقد كان العلماء يُناظرون من هم شرّ منه وأسوأ حالا من بدعته كالملاحدة والدُهرية، فكانوا يوردون عليهم الحجج ويجيبون عن اعتراضاتهم، مهما بلغت حِدّةُ انحرافها وشدةُ ضلالها.

3/ باعتبار حال من يقوم بمناظرته:

وقد رأيت أنّ أكثر الشيوخ الذين برزوا لمناظرته، هم من غير المتخصصين في هذا الباب الذي استفرغ حسن المالكي جهوده وقضى عمره فيه، فحسن المالكي خصص وقته واستنفذ طاقته لبحث موضوع الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم وما دار من وقائع في تلك الفترة من تاريخ الأمة، وله كتبٌ وأبحاث تتعلّق بأحداثها، فهو ملمٌّ بها متعمق في أدقّ تفاصيلها، فله معرفة واسعة بتواريخها وحوادثها ومروياتها ومواضعها في كتب التراجم والسير والتواريخ والطبقات.

أما الشيخ المناظر له فقد تكون له معرفة مجملة بعدالة الصحابة ومكانتهم عند أهل السنة والحديث، لكن انشغاله واهتمامه بالعبادة والتزكية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الفرائض والشعائر التي لا تعلّق لها بهذه المواضيع المتخصصة التي لا يحسن الكلام عنها إلا أهلها المتفرغون لها.

بل قد تكون معرفة آحاد الناس المتتبعين لهذه المرويات والحوادث في المقالات العارضة والقنوات والمنتديات أكثر من معرفة هذا الشيخ، لكنّ هذا الشيخ لأجل مكانته الاجتماعية ولأجل غيرته على الصحابة ومحبته العظيمة لهم تصدّر لمناظرته، وليس بمثل هذا كانت تقوم مناظرات أهل السُنّة مع أهل البدع، وليس بمثل هذا يكون فلج شبهات الخصوم وإفحامهم.

كتبه محمد بن علي الجوني


شارك المحتوى: