مرصد الفتاوى الشاذة التكفيرية يفتري على العلامة ابن عثيمين في جواز قتل النساء

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

مرصد الفتاوى الشاذة التكفيرية يفتري على العلامة ابن عثيمين في جواز قتل النساء

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ………… أما بعد:

فقد نشر موقع دار الافتاء المصرية يوم الاثنين ( 4/2/1437هـ الموافق 16/ نوفمبر / 2015م ): أن مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الافتاء المصرية ذكر أن جماعات العنف اعتمدت على فتاوى ضالة؛ منها فتوى لابن عثيمين تجيز قتل النساء .. إلى آخر الخبر .

وفي هذا الخبر تدليس ، وهذا يتضح من أوجه :

الوجه الأول / أن شيخنا العلامة محمد بن صالح ابن عثيمين يحرم قتل النساء الكافرات في الجهاد، كما في النص المستشهد به، وكما قرره في مواضع، فقال في الشرح الممتع (8/ 23): ” أما تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام ولا يحل”.

وقال :” من يجوز سبيه أصناف: 1- النساء. 2- الصغار. 3- ومنْ لا عقل له.4- ومن لا رأي له.5- ومن لا يستطيع المقاتلة. فهؤلاء يسبون ولا يجوز قتلهم ” (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 382) )

وتحريم قتل النساء دل عليه النص والإجماع، أما النص ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:” وجدت امرأةٌ مقتولة في بعض تلك المغازي، فنهى رسول الله ﷺ عن قَتل النّساء وَالصّبيان “.

أما الإجماع فقد حكى الإجماع ابن حزم وابن عبد البر والقاضي عياض وغيرهم .

قال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص: 119): “واتفقوا أنه لا يحل قتل صبيانهم ولا نسائهم الذين لا يقاتلون”

قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 24):” وأجمع العلماء على القول بذلك، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب “

الوجه الثاني/ أن العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم لما حرموا قتل النساء جوزوا ذلك في حالات؛ منها ما هو مجمع عليه، ومنها ما هو مختلف فيه .

الحال الأولى/ عند قتال النساء للمسلمين في المعارك :

وهذا بالإجماع، ومنهم علماء المذاهب الأربعة .

قال ابن قدامة في المغني (9/ 313):” (ومن قاتل من هؤلاء أو النساء أو المشايخ أو الرهبان في المعركة قتل) لا نعلم فيه خلافا “

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 414):” ولا تقتل نساؤهم إلا أن يقاتلن بقول أو عمل باتفاق العلماء “

الحال الثانية/ عند تترس الكفار بالنساء الكافرات :

قال ابن قدامة المغني (9/ 288):” وإن تترسوا في الحرب بنسائهم وصبيانهم، جاز رميهم، ويقصد المقاتلة؛ «لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان» ، ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم فينقطع الجهاد. وسواء كانت الحرب ملتحمة أو غير ملتحمة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يتحين بالرمي حال التحام الحرب “

قال النووي في روضة الطالبين (10/ 244):” ولو تترسوا بالنساء والصبيان، نظر إن دعت ضرورة إلى الرمي والضرب، بأن كان ذلك في حال التحام القتال ولو تركوا لغلبوا المسلمين، جاز الرمي والضرب، وإن لم تكن ضرورة، بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم واحتمل الحال تركهم، فطريقان “

قال الخرشي في شرح مختصر خليل (3/ 114) :” أن العدو إذا تترسوا بذراريهم أو بنسائهم بأن جعلوهم ترسا يتقون بهم، فإنهم يتركوا لحق الغانمين، إلا أن يخاف منهم فيقاتلوا حينئذ “

الحال الثالثة/ قتل الملكة الكافرة لإضعاف الكفار:

قال المرغيناني في الهداية (5/ 453):” قال (إلا أن يكون أحد هؤلاء ممن له رأي في الحرب أو تكون المرأة ملكة) لتعدي ضررها إلى العباد “

وهذا لا يدل على أنهم يجوزون قتل النساء في الجهاد، فإن الاستثناء من الأصل لا يرجع على الأصل بالنقض، كما أن الشريعة لما جوزت أكل الميتة في حال الضرورة لم يدل على أنها تجوز أكل الميتة على الإطلاق .

الوجه الثالث/ أن دار الافتاء المصرية –التي يتبعها المرصد – جوزت قتل النساء في حالات استثنائية فمن فتاوى دار الإفتاء المصرية (10/ 415، بترقيم الشاملة آليا) : ” بناء على تقدير للضرورة بقدرها، منع الإسلام قتل من لم يشترك في القتال كالنساء والصبيان، ومنع التخريب والإفساد وقيد جوازه بما إذا كان سلاحًا يضعف به العدو. ومما ورد في ذلك ما رواه مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان، وذلك إذا تميزوا عن المحاربين، أما إذا لم يتميزوا وحدثت إغارة بالليل مثلا فقد ورد فيهم ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال “هم منهم ” وفى رواية للأهم من آبائهم ” يقول النووي في “شرح صحيح مسلم ج 12 ص 48”: أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، حديث ابن عمر، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون، وأما شيوخ الكفار- أي كبار السن – فإن كان فيهم رأى – أي يشاركون فى الحرب بالرأي – قتلوا، وإلا ففيهم وفى الرهبان خلاف، قال مالك وأبو حنيفة: لا يقتلون، والأصح في مذهب الشافعي قتلهم.

ويقول في حديث ابن عباس: لا بأس بقتل النساء والذراري إذا لم يميزوا عن غيرهم وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة والجمهور. ومعنى البيات ويبيتون أن يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبى.”ا.هـ

فهل سيجرؤ مرصد الفتاوى الشاذة التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية أن يصنف دار الافتاء المصرية بأنه من يفتي بالفتاوى الضالة الشاذة !؟

الوجه الرابع/ أنه لو سلم جدلًا استدلال الفئة الضالة لبعض فتاوى العلامة ابن عثيمين، فليس هذا دالًا على خطأ الفتوى، بل على خطأ فهم الخوارج لها، كما أنهم يستدلون بالقرآن على ضلالهم وهم في ذلك زائغون وعن نور الهدى عمون.

الوجه الخامس/ أن العلامة ابن عثيمين من أكثر العلماء كلامًا على خطأ الجهاد المزعوم الذي يدعيه الخوارج؛ كداعش والنصرة ، وقد نقلت كثيرًا من كلامه في كتابي ( مهمات في الجهاد)

http://islamancient.com/play.php?catsmktba=996

ومما نقلت فيه قوله: “فالقتال واجب، ولكنه كغيره من الواجبات لابد من القدرة، والأمة الإسلامية اليوم عاجزة. لا شك عاجزة، ليس عندها قوة معنوية ولا قوة مادية؛ إذاً يسقط الوجوب عدم القدرة عليه: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } “(شرح رياض الصالحين- أول كتاب الجهاد:(3/375) )

وقال في فتاواه ( 18/388 ): “إنه في عصرنا الحاضر يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسيف ونحوه؛ لضعف المسلمين مادياً ومعنوياً، وعدم إتيانهم بأسباب النصر الحقيقية، ولأجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية، فلم يبق إلا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة”.

وقال :” ولهذا لو قال لنا قائل : الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا ؟؟!! لماذا ؟!

لعدم القدرة؛ الأسلحة الَّتِي قد ذهب عصرها عندهم هي الَّتي في أيدينا وهي عند أسلحتهم بمنْزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ، ما تفيد شيئًا فكيف يُمكن أن نقاتل هؤلاء ؟!

ولهذا أقول: إنه من الحمق أن يقول قائل: أنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا، كيف نقاتل؟!!

هذا تأباه حكمة الله تعالى، ويأباه شرعه، لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }

هذا الواجب علينا أن نعدَّ لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هو الإيْمان والتقوى”. (شرح بلوغ المرام من كتاب الجهاد، الشريط الأول، الوجه (أ))

الوجه السادس/ أنه إذا جاز في الجهاد الشرعي قتل الكافرين أو النساء المقاتلات أو غير ذلك فإنه لا يصح بحال استدلال الخوارج به كداعش والنصرة والقاعدة لأن جهادهم بدعي محرم لا شرعي فهو باطل وما بني عليه فهو باطل ، فاستدلالهم بهذا مبني على التسليم بصحة جهادهم البدعي المحرم كما يقال: اثبت العرش ثم انقش.

وضلال جهادهم أوضح عند أهل العلم وذوي العقول السليمة من الشمس في رائعة النهار، فهو باطل في نفسه وفي ما يترتب عليه، وأكثر من استفاد منه الكفار والنصيرية والرافضة ، وإن قتلهم لبعض الكفار والنصيرية والرافضة من ذر الرماد في العيون ، وإلا لماذا سلمت منهم دولة يهود، ودولة الرفض إيران، وتسلطوا على أهل السنة لا سيما دولة التوحيد والسنة السعودية – حرسها الله – .

أليس هذا مصداق ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج من أنهم “يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان” متفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه .

وإني في الختام أدعو المرصد للفتاوى الشاذة والتكفيرية أن يتوخى العدل والدقة لتثبت مصداقيته، ولينتفع المسلمون به، وأدعوه أن يعتذر من خطئه في حق الإمام الجهبذ العلامة المحقق محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله رحمة واسعة –.

وأدعو الجميع أن يتثبت ويتحرى الأحكام بالأدلة في هذا وغيره، كمثل زعم أن داعش توافق منهج الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله-، ومن كان منصفًا ذا علم يعرف أنهما منهجان متغايران، والفرق بينهما كالفرق بين المشرق والمغرب، وقد بينت ذلك في كتابي (براءة دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب من الخوارج ( داعش والنصرة أنموذجاً )

http://islamancient.com/play.php?catsmktba=214665

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

د. عبدالعزيز بن ريس الريس @dr_alraies

المشرف على شبكة الإسلام العتيق

http://islamancient.com/

6 / 2 / 1437هـ


شارك المحتوى: