مدرسة الحظر لوباء كورونا

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا مزيدًا

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أما بعد:

فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

فقد عشنا أسابيع بل شهورًا في حظر بلا عمل وظيفي ولا دراسة بالمدارس والجامعات، ولا صلاة في المساجد لا الجمعة ولا الجماعات، احترازًا من وباء كرونا -عجَّل الله برفعه عن المسلمين-.

والحمد لله الذي لم يقض إلا الخير، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22] وروى الإمام مسلم عن أبي يحيى صهيب الرومي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له».

فلابد أن نستفيد من الحياة كلها، ومنه هذا الحظر الذي بدأ ينفك ويخف والحمد لله، وذلك يكون بأمور منها:

أولًا: تعاهد العلاقة مع الزوجة والأولاد ذكورًا وإناثًا، فإنه مع انشغال الآباء بأشغال الحياة، وانشغال الأولاد بوسائل التواصل والأصحاب، أصبح في كثير من البيوت والأسر ضعف علاقة بين أفراد الأسرة، وهذا له مفاسده من ضعف المحبة وعدم تناقل الأجيال للعادات الحميدة من الآباء والأجداد، فيخرج جيل لا يعرف للعادات الطيبة من الأقوال والأعمال واللباس وزنًا ولا للحياء ومكارم الأخلاق ذكرًا.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» حسنه الألباني.

وأخرج البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «فإن الحياء من الإيمان».

ثانيًا: محاولة إتمام ما جرى من خير ديني مما اضطرنا إليه الحظر من الحرص على الصلاة مع الجماعة، وصلاة سنن الرواتب والوتر، وأذكار الصباح والمساء، إلى غير ذلك من الأمور الدينية الكثيرة.

وإذا قُدر أنه حصل قصور في أفعال الخير فيما مضى من حظر فليُتدارك، فإن الأب مسؤول، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

وليتعاهد أولاده بالتذكير والوعظ والتشجيع، وإذا قُدر أن الأب مُقصر فليكن حرصه على أولاده فرصة ليُصلح نفسه وأولاده، فإلى متى التفريط والغفلة؟

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18] وقال: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: 10-11].

فيا عبد الله بادر، ففرصة الحياة واحدة، والموت هجَّام وللذات هدَّام.

اللهم سددنا وعلى طريق الحق ثبتنا.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإكمالًا لما تقدم:

ثالثًا: تعاهد أنفسنا وأولادنا وأزواجنا بذكر النعم الكثيرة، من نعمة رغد العيش، ونعمة الأمن، ونعمة ضبط الأمور وإصلاحها من ولاتنا والمسؤولين -جزاهم الله خيرًا -، ونعمة حرصهم علينا وعلى ما ينفعنا غاية الحرص، ونعمة بدء انفراج الحظر وتخفيفه، ونعمة الرجوع إلى الصلوات بالمساجد، فإن بعض هذه النعم قد فقدناها أيام الحظر، فعرفنا قيمتها.

وإن تذكر النعم نافع للغاية دينيًا ودنيويًا، من زيادة الإيمان وحب الله الرحمن مما يكون سببًا للهداية والاستقامة وزيادتهما، ومن انشراح الصدر والقناعة، ومن قطع الطريق على كل مفسد يريد أن يُشغب على ولاتنا -وفقهم الله وسددهم-، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

وقد ذكّرنا الله بنعمه لأن في ذكر النعم فوائد كثيرة، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ [آل عمران: 103] وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ﴾ [المائدة: 7] إلى غير ذلك من الآيات.

واعلموا أن ثبات وزيادتها النعم بالرجوع إلى الله والتوبة والمسارعة بفعل الطاعات، والمبادرة في ترك المحرمات صغيرها وكبيرها بجميع صورها، روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: ” إنكم لتعملون أعمالا، هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات “.

وروى البيهقي في (شعب الإيمان) عن بلال بن سعد أنه قال: “لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت”.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأهلك الكافرين والرافضة، اللهم لك الحمد كثيرًا على نعمك التي لا تُعد ولا تُحصى، اللهم إنا نسألك المزيد والرضا يا رب العالمين، اللهم وفق ولاتنا لما فيه خير العباد والبلاد وما فيه رضاك يا رب العالمين، اللهم كن لجنودنا نصيرًا ومعينًا يا أرحم الراحمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.


شارك المحتوى: