ما معنى كلام الفضيل: “ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك”؟


ما معنى كلام الفضيل: “ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك”؟

 

يُقَالُ جوابًا على هذا السؤال: قد أخرج هذا الأثر البيهقي في كتابه شعب الإيمان عن الإمام الفضيل بن عياض أنه قال: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

وقد كثر كلام العلماء في شرح معنى كلمة الفضيل رحمه الله تعالى، وممن شرح ذلك النووي رحمه الله تعالى في كتاب الأذكار وابن علام في شرح الأذكار نقل عن بعض أهل العلم، وكذلك ممن شرح ذلك ابن مفلح في كتابه الفروع، ونقل عن ابن الجوزي وغيره، وشرحه الألوسي في روح المعاني، وشرحه غير واحد من أهل العلم، ورأيت كلامهم يرجع إلى أحد أمرين:

– أما قوله: والعمل لأجل الناس شرك، أظن هذا لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في قوله: ترك العمل من أجل الناس رياء.

القول الأول: أن التارك للعمل لأجل الناس قد وَجَد في قلبه شيئًا آخر غير الله، لأجله ترك العمل، المفترض أن لا يكون في قلبه عند العمل، وعند الترك إلا الله، فلا يلتفت إلى الناس، لأجل هذا لمَّا وُجِد في قلبه شيء غيرُ الله صار ترك العمل من أجل الناس رياء، هذا التفسير الأول.

– التفسير الثاني: أنه عند صلاته أو فعل العبادة يخشى أن يتحدث الناس أنه مُراءٍ، ويظنون أنه مُراءٍ، فلأجل هذا يترك العمل، فالالتفات إلى الناس لمثل هذا رياء، والأمر سهل في كلا التفسيرين؛ لأن المفترض للمتعبِّد أن يُقبِل على الله تركًا وفعلًا لله وحده، ولا يلتفت إلى الخَلْق، لكن ليس معنى هذا أن يبادر بفعل المستحبات بَيْنَ الخلق، وإنما الأصل أن يخفي الإنسان أعماله إلا ما جاءت الشريعة بإظهاره كبعض الفرائض وبعض المستحبات، من ذلك: صلاة الجماعة في المسجد إلى غير ذلك.

فإذًا، الأصل في الأعمال أن تخفى وهذا أكمل.

وإذا تعبد المتعبِّد إذا كان المتعبد عُرِض له عبادة، وخشي أن يظن الناس أنه يداوم على مثل هذا، فتركه لمثل هذا لمصلحة الراجح له أن يفعل، لكن عند إقباله على التعبد ينبغي أن يكون قلبه خاليًا من الناس لا فعلًا ولا تركًا إلا إذا خشي أن يظن الناس به عبادة، وهو ليس أهلاً لذلك، فيتركها لئلا يظنوا أنه كذلك، وقد حصل من لسلف شيء من هذا، ونقل ابن مفلح من كلام أهل العلم في تخريجه، وكذلك من النووي: أنه خشي أن يظنوا أن هذه حالته وهو ليس كذلك.

فالمقصود بعيد عن كلام القاضي عياض، ينبغي أن نكون مخلصين لله في عبادتنا فعلاً وتركًا، والأصل في العبادات إخفاؤها، ولا ننتقل عن هذا إلا لمصلحة راجحة، وقد نترك العمل لمصلحة راجحة. أسأل الله أن يمنّ علينا برحمته بالإخلاص، ويجعلنا مُقبِلين عليه برحمته، وهو أرحم الراحمين.


شارك المحتوى: