ما الموقف الشرعي من سحب الجنسيات الهندية من المسلمين ؟


(السؤال)
قد أصدرت حكومة الهند قانونا جديدا للتجنيس فيه ظلم شديد على شعبها المسلم حيث يفضي إلى حرمان الكثير من المسلمين جنسيتهم وقد خرج الناس في المظاهرات والاعتصامات لمطالبة الحكومة بالتراجع عن هذا القرار الجائر
وهذه المظاهرات مشتركة بين المسلمين والأحزاب المعارضة للحكومة منهم الأحزاب الشيوعية والعلمانية وغيرها فما نصيحتكم للمسلمين عموما وأهل السنة خصوصا تجاه هذه المشاكل ؟

(الجواب)
أسأل الله الذي لا إله إلا هو بأسمائه الحسنى وصفاتها العلى أن يرفع عن إخواننا في بلاد الهند وغيرها، وأن يرفع عن أهل السنة، وأن يقويهم، وأن يزيدهم توفيقا ورشادا وسدادا وقوة، وأن يكسر الكافرين إنه القوي العزيز سبحانه وتعالى

أما الكلام في حكم المظاهرات في بلاد الكفار وتحديدا في بلاد الهند فقد بلغني أن علماء المسلمين وأهل السنة في بلاد الهند أفتوا بجواز هذه المظاهرات؛ لأنها في بلاد الكفار؛ ولأنه يحصل بها دفع مفسدة أكبر بمفسدة أصغر، وشرطوا لها شروطا، وفرقوا بين المظاهرات في بلاد المسلمين وبلاد الكفار إلخ….
وليس المقام مقام الكلام على هذا.

ولكن أحب أن أُذكّر بأمور :

الأمر الأول/

إن مما يخشى على أمثال هذه المظاهرات والاعتصامات أنه إذا حصلت النتيجة منها، -وهو دفع هذا الشر الذي هو خير-، يخشى بعد ذلك،أن يتساهل بعض أهل السنة مع أهل البدع فيتقاربون مع أهل البدع، وأن تسمع أصواتا ونداءات تنادي بالوحدة والاجتماع مع كل المسلمين بشتى مذاهبهم العقدية وبدعهم .
بل قد يسمع هذا من بعض أهل السنة وأهل الحديث،-أسأل الله أن يسلمهم- بل ويخشى بعد ذلك أن تنشأ مؤسسات وغير ذلك لمواجهة أمثال هذه الأخطار فيجتمع فيها أهل السنة وأهل البدع بل والكفار فزيادة على مفسدة ما تقدم تحصل مفسدة جديدة وهي مفسدة التنافس على هذه المناصب وعلى فتنة الأموال ولا يخفاكم أن فتنة المال والجاه والشرف من أعظم ما يفسد الدين كما أخرجه الترمذي من حديث كعب بن مالك وكما قال الله عز وجل عن أهل النار : (مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنِّی مَالِیَهۡۜ ۝ هَلَكَ عَنِّی سُلۡطَـٰنِیَهۡ)

لذا أؤكد على إخواني الأفاضل أن يثبتوا على تمايزهم عن أهل البدع فإن هجر أهل البدع أصل من أصول السنة كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع وكتب الاعتقاد متواترة في حكاية وجوب هجر أهل البدع وأن هذا أصل من أصول أهل السنة كما ترى ذلك في ‘أصول السنة’ للإمام أحمد، وكتاب ‘اعتقاد السلف أصحاب الحديث’ لأبي عثمان الصابوني وفي كلام غيرهم من أئمة السنة وما أكثره!

لذا أوصي نفسي وإخواني أن يضبطوا رأس المال فإن حفظ رأس المال مقدم على الربح وقد ذكر ابن حجر عن ابن هبيرة أن في ترك قتال علي -رضي الله عنه- الكفار على الحدود، واشتغاله بقتال الخوارج فيه حفظ رأس المال وهو مقدم على الربح، وهذا كما أن الشريعة دلت عليه فكذلك العقل يدل عليه؛ لذا أدعو إخواني أن يؤكدوا أصول أهل السنة في التمايز عن أهل البدع،وفي التمسك بالسنة، ومعاداة أهل البدع، وألا تكون هذه المظاهرات والاعتصامات فتنة لهم في التنازل أو التساهل عن مثل هذا.
أسأل الله أن يسلمهم وأن يحفظهم وأن يقويهم وأن يزيدهم إنه أرحم الراحمين

الأمر الثاني/
أخشى على بعض الشباب أنهم إذا رأوا نتيجة هذه المظاهرات أن يزدادوا بعد ذلك في المطالبة بالمظاهرات فما أن يقع أمر إلا وتراهم يتسابقون إليه بسلوك مسلك المظاهرات؛ لأنه قد ظهر أثرها ونفعها، بل حتى يخشى على غير الشباب أن يسلك هذا المسلك.

ومما يخشى على الشباب أيضا أنه قد لا يستجاب لهذه المظاهرات والاعتصامات فينتقلوا بعد ذلك إلى العنف وهذا خطأ كبير ينبغي أن يذكّر المشايخ الأفاضل عموم أهل السنة عوامهم وشبابهم بأن هناك فرقا بين حال الضعف والقوة ففرق بين هدي النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة فقد جاءت الآيات بالصبر ؛لأن المسلمين كانوا في ضعف، وفرق بين حال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما انتقل إلى المدينة وقوي فقد أمر بالسيف .
فإذن فرق بين حال القوة والضعف.
وقد قرر هذا ابن جرير في تفسيره وابن تيمية في كتابه ‘الاقتضاء’ وغيره وابن القيم في ‘زاد المعاد’ وغيره من كتبه .

لذا أوصي نفسي وإخواني أن يربطوا لجام الشباب حتى لا يندفعوا ولا يحصل منهم أفعال عنف فيكون سببا في إعذار الكفار أن يتخذوا القوة تجاه المسلمين. فلا تسل بعد ذلك عن تيتيم الأطفال، وترميل النساء، وتهديم الدور إلى غير ذلك مما يخشى!

أسأل الله أن يحفظ المسلمين أجمعين إنه الرب الرحيم سبحانه وتعالى

الأمر الثالث/

أؤكد على نفسي وإخواني وعلى أهل السنة في العالم كله وفي الهند بصفة خاصة -بما أن الأمر موجه إليهم ابتداء-، أن يجتهدوا في تعلم التوحيد وتعليمه وفي تعلم السنة وتعليمها ونشرها، وأن يقوموا أنصارا لدين الله، وأن يذودوا عن حياض السنة. فما إن يخرج كافر يريد تحريف الدين أو أن يلصق بالدين ما ليس منه إلا ويواجهوا ذلك بالرد والبيان، وفي المقابل ما إن ينادي مبتدع بتحريف الشريعة ببدعه إلا ويجلون هذه البدعة ويكشفونها بالأدلة والبراهين الشرعية. وأهل السنة ولله الحمد أهل لذلك فإن الحق قوي في نفسه،وبتقوية الله له، وبقيام أهله بالحجج والبراهين الشرعية.

فالله الله أن يجتهد أهل السنة في تعلم العلم الشرعي وفي نشره بين الناس،وتعلم التوحيد ونشره الذود، والرد على كل مخالف حتى تبقى بيضة السنة محفوظة غير محرفة ومصانة لم تدنسها أيدي المحرفين والملبسين.

وأهل السنة في بلاد الهند عموما كباكستان وبنجلاديش وغيرها معروفون -ولله الحمد- بالغيرة على الدين والرد على المخالفين.
أسأل الله أن يزيدهم وأن يقويهم إنه هو القوي العزيز سبحانه وتعالى

ثم ليتذكروا أنه والله وبالله وتالله إذا صلحت الشعوب أصلح الله الحكام كما قال سبحانه (وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُوَلِّی بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ) فيصلح الله الحكام، ويجعل للشعوب المسلمة فرجا وذلك إذا صلحت الشعوب وتمسكت بالتوحيد والسنة وتركت ما يسخط الله سبحانه وتعالى.
ومما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب ‘مفتاح دار السعادة’ أنه قال “عمالكم أعمالكم،
فإذا صلحت أعمالكم صلحت عمالكم” أي حكامكم، ومتى صلحت الأعمال صلح الحكام والله يقول (وَكَذَ ٰ⁠لِكَ نُوَلِّی بَعۡضَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ)
فمفهوم المخالفة ونولي على الصالحين صالحا !

أسأل الله أن يصلح حال المسلمين في بلاد الهند وفي العالم كله، وأن يقويهم، وأن يزيدهم، وأن يكفي إخواننا المسلمين في الهند شر هذه الفتنة إنه القوي العزيز وجزاكم الله خيرا


شارك المحتوى: