لم لا نربي ناشئتنا على عدم الإسراف؟!

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

لم لا نربي ناشئتنا على عدم الإسراف؟!

د. إبراهيم عبدالله المطلق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن ناشئتنا وفلذات اكبادنا امانة في اعناقنا وهم رجال الاسلام وعدة المستقبل وقد حثنا ديننا الحنيف بتعاهدهم وتفقد احوالهم الدينية وتوجيههم لما فيه صلاحهم وتدريبهم على الثبات على عقائدهم والعمل بأوامر ربهم جل وعلا وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم واجتناب ما نهيا عنه ومما يؤكد أهمية العناية بهؤلاء الناشئة قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة), وقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: مروهم لسبع واضربوهم عليها لعشر , ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في تربية الناشئة وتعليمهم في سن مبكرة يدل على ذلك ما رواه الامام البخاري رحمه الله بسنده قال: حدثنا علي بن عبدالله أخبرنا سفيان قال الوليد بن كثير أخبرني أنه سمع وهب بن كيسان أنه سمع عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد وروى البخاري ايضا قال: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ ليطرحها ثم قال اما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) فانظر أخي المسلم كيف كان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الناشئة مما يؤكد مسئولية الوالدين وأولياء الأمور تجاه ناشئتهم.
وهذه المسئولية لا تقتصر على حكم من الاحكام بل شاملة لجميع أوامر الشريعة واحكامها وقد نهى الله تعالى ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الاسراف في كل شيء ومن الادلة على ذلك قول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وقوله تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين), وقوله جل وعلا: (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً) وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن الفضول في الطعام ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فان كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه .
وقوله في النهي عن الفضول في الحديث: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال , هذه النصوص من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم تحثنا جميعا على عدم الفضول والبعد عن الاسراف في كل شيء وفي عصورنا المتأخرة غفل كثير من الناس عن تدبر كتاب الله تعالى والعمل بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فوقعوا فيما نهوا عنه من الاسراف في كل شيء والفضول في كل شيء ومن اهم هذه الامور التي اسرف فيها الكبير والصغير والرجل والانثى الوقت الذي هو أثمن ما يمتلكه الانسان فهو أغلى من الذهب والفضة بل من الطعام والشراب لأنه هو حياة الانسان وهلاكه وهو سعادة الانسان وشقاوته فمتى ما عمر فيما يرضي الله جل وعلا أكسب سعادة وتوفيقا وجنة باذن الله جل وعلا ومتى ما أهدر هذا الوقت في طاعة الشيطان وغضب الرحمن كان وبالا وحسرة وندامة على صاحبه في الدنيا والآخر ونارا تتلظى نسأل الله السلامة والعافية, وان من المؤسف ان نرى الكثير ممن لم يثمن الوقت ولم يعرف قدره فيقضي الساعات الطوال فيما لا نفع له به ولا خير له كالحديث في اعراض المسلمين او استماع آلات اللهو والنظر اليها او نحو ذلك مما يقتل الوقت ولا طائل فائدة فيه وهذا هو مفهوم الاسراف في الوقت.
ومنها ذلك ايضا الاسراف في الطعام والماء ونحوها فتجد الرجل يصنع الطعام لاثنين او ثلاثة ما يكفي عشرة او اكثر فاذا فرغوا من الاكل وضعوا ما تبقى في صندوق القمامة واما الاسراف في الماء فحدث ولا حرج ومن اراد ان يتثبت مما أقول فليحضر إلى إحدى دورات المياه في مسجد من المساجد ولينظر فقط كيف يتوضأ الكثير جداً من الناس اقول وإن لنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان صلى الله عليه وسلم يكفيه المد من الماء للوضوء والصاع للغسل وقد أنكر على احد أصحابه إسرافه الماء يدل على ذلك ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتوضأ فقال: لا تسرف لا تسرف , وروي أيضا عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف، فقال: أفي الوضوء اسراف، قال: نعم وإن كنت على نهر جار) ونحن اليوم لا نبالي في صرف الماء ولا نلقي لذلك بالا ولا نثمن أنه ينقل إلينا بجهود هذه الحكومة الرشيدة من البحار وتصرف الملايين لنقله وتحليته فلندرك أنه من أعظم النعم ومن يضمن بقاء واستمرار هذه النعمة إذا لم نشكرها بالمحافظة عليها وترشيد استهلاكها.
فعلينا أن نراجع أنفسنا وأن نتقيد بشريعة ربنا جل وعلا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نتعاهد من ولانا عليهم الله من الناشئة شبابا وفتيات فنغرس في نفوسهم حب الاعتدال وننشأهم على فقه هذه التوجيهات الربانية والاوامر النبوية الكريمة ونحبب إليهم العلم بها ونبين لهم أن الاسراف ممقوت في كل شيء إلا في رضا الله سبحانه وتعالى والله تعالى أعلم.

* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

جريدة الجزيرة – العدد 10179 – الجمعة 11 جمادى الاولى 1421.


شارك المحتوى: