كلام للعلامة ابن عثيمين يكتب بماء العينين في النصيحة لولاة أمور المسلمين


كلام للعلامة ابن عثيمين يكتب بماء العينين في النصيحة لولاة أمور المسلمين

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد

للإمام الفقيه العلامة محمد بن صالح العثيمين كلام عظيم مقتبس من نور الوحيين: الكتاب والسنة ، به يعرف المسلم الناصح لنفسه بعض ما دل عليه ديننا من كيفية التعامل مع ولاة أمره .

وأعترف لكم : أنني لما وقفت على كلامه -رحمه الله- أعجبني جدا ، وأردت نشره ليشاركني الفائدة من لم يقف عليه من أهل السنة ، وليثبتوا على ما هم عليه من حق وهدى ، فأردت وضع مقدمة فغلبني إعجابي بكلامه فلم أدر كيف أقدم له ، وماذا أقول .

فقررت نشره بدون مقدمة أو تمهيد ، وأرجو أن يكون في ذلك خير .

يقول -رحمه الله ورفع درجته في الجنة- :

((النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم : 
ذكرنا أن الأئمه هم العلماء والأمراء وكل من له ولاية، كل من له ولاية على المسلمين فإنه إمام، حتى إمام المسجد إمام، حتى مدير المدرسة إمام، كل من له ولاية فهو إمام ، لكن أهم شيء الأمراء والعلماء .

ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام فرّق بينهم وبين المسلمين، فقال (أئمة المسلمين وعامتهم) مما يدل على أن النصيحة للأئمة ليست كالنصيحة للعامة ، لأنه يجب عند نصيحة الأئمة أن يراعي الانسان مقامه، بحيث تكون النصيحة مناسبة لمقامه، وهذا من تنزيل الناس منازلهم ومن الحكمة.


النصيحة للأمراء نبدأ بها أولا .

النصيحة للأمراء :

أولاً : أن تعتقد وجوب طاعتهم في غير معصية الله ، هذا من النصيحة لهم ، لأنك إذا لم تعتقد ذلك فلن تطيعه .

ومن الذي أوجبها ؟ الله عز وجل في قوله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”

وفي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ” اسمعوا وأطيعوا “، وفي مبايعة الصحابة له على ذلك كما في حديث عبادة بن الصامت : “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، ويسرنا وعسرنا ، وأثرة علينا “.

ثانياً : أن تطيع أوامرهم إلا في معصية الله ، وإن عصوا ، يعني لو كانوا فُسَّاقاً يشربون الخمر ، ويعاقرون النساء ، ويلعبون القمار يجب علينا طاعتهم ، حتى في هذه الحال ، لكن إنْ أمروا بالمعصية ، ولو كانت أدنى معصية ، ولو لم تكن كبيرة ، فإنه لا يجب أن نطيعهم .

ولكن هل نُنَابذ أو أن نقول لا نستطيع أن نفعل ، ونقابلهم بهدوء لعلهم يرجعون ؟ يتعين الثاني ، لأن منابذتهم قد تؤدي إلى أن يركبوا رؤوسهم ، وأن يُلزِموك ويُكرهوكَ على الشيء ، لكن إذا أتيتَ بهدوء ونصيحة ، وقلت : ربنا وربك الله ، والله عز وجل نهى عن هذا ، والذي أوجب علينا طاعتكم هو الله عز وجل ، لكن في غير المعصية ، وتُهادِؤُه ، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب ، وإن لم يهتدِ وأَجْبَر ، فأنت معذور لأنك مُكرَه .

ثالثاً : من نصيحتهم أن لا نُثِيرَ الناس عليهم ، وإثارةُ الناس عليهم ليس معناه أن نقول يا أيها الناس ثوروا على أمرائكم .

هذا لا أحد يقوله , لكن ذكر المساوئ وإخفاء المحاسن يوجب إثارة الناس ؛ لأن الإنسان بشر ، وإذا ذُكرت مساوئ شخص عنده دون ذكر المحاسن سوف يمتلئ قلبه بغضاً له ، فهذا أيضاً من نصيحتهم ، وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين.

رابعاً : إبداءُ خطأهم فيما خالفوا فيه الشرع ، بمعنى ألا نسكت ، ولكن على وجه الحكمة والإخفاء ، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى الإنسان من الأمير شيئاً أن يمسك بيده ، ذكر النصيحة أن تمسك بيده ، وأن تكلمه فيما بينك وبينه لا أن تقوم في الناس وتنشر معايبه ، لأن هذا يحصل به فتنة عظيمة ، السكوت عن الباطل لا شك أنه خطأ ، لكن الكلام في الباطل الذي يؤدي إلى ما هو أشد هذا خطأ أيضاً ، فالطريق السليم الذي هو النصيحة وهو من دين الله عز وجل هو أن يأخذ الإنسان بيده ، ويكلمه سرّاً ، أو يكاتبه سراً ، فإن أمكن أن يوصله إياه فهذا المطلوب وإلا فهناك قنوات ، الإنسان البصير يعرف كيف يوصل هذه النصيحة إلى الأمير بالطريق المعروف .

خامساً : احترامه الاحترام اللائق به ، وليس احترام ولي الأمر كاحترام عامة الناس ، ربما يأتيك فاسق من عامة الناس لا تبالي به ، ولا تلتفت إليه ، ولا تكلمه ، ولكن ولي الأمر على خلاف ذلك ، ولا سيما إذا كان أمام الناس ، لأنك إذا أظهرت أنك غير مبالٍ به ، فإن هذا ينقص من قدره أمام الناس ، ونقصان قدر الأمير أمام الناس له سلبيات خطيرة جداً ، ولا سيما إذا كثرت البلبلة وكثر الكلام فإنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة ، وكما يتبين لمن كان منكم متأمّلاً أحوال الناس اليوم .

سادسا: أن لا نكذب عليه ونظهر له أن الأمور على ما ينبغي وهو خلاف الواقع، بمعنى أن نبين له حقائق الأمور على ماهي عليه إن سيئة أو صالحة، وذلك لأن بعض الناس والعياذ بالله يغش الأمير، يذكر له أن الأشياء على ما يرام زعما منه أنه يريد إدخال السرور على الأمير، وهذا غلط عظيم الواجب أن تُذكر الأمور على ماهي عليه، لأنه لايمكن لإنسان أن يداوي جرحا حتى يعرف مادته ويستخرجها، وإلا فكما قال الشاعر:

إذا ما الجَرْح غُمَّ على فساد…
تبين فيه اهمال الطبيب


فليس من النصيحة أنك تقول : أبدخِل عليه السرور وأخليه يفرح والله ماشاء الله الأمور على ماينبغي أمن تام ورخاء تام

ونعمة تامة والشعب كله شبعان والشعب كله يشكر لك والأمر بخلاف هذا ، هذا ماهو صحيح ، ولهذا من أخطر الناس وأغش الناس أولئك الصحفيون، الذين إذا سمعت الصحف الأجنبيه في مدح رؤسائهم قلت : هؤلاء من أحسن الرؤساء . وهم من أسوأ الرؤساء، 
لكن هؤلاء ليس عندهم نصح، فالواجب في نصيحة ولي الأمر أن يُبَيّن له الحقيقة حتى يسير على منهج سليم.


هذه ستة أمور لابد أن يلاحظها الانسان إذا كان ناصحا لولاة الأمور.

سابعا: القيام بالوظائف التي تحت إمرتهم، لأن بعض الناس يكون موظفا عند أمير، -وسواء كان الأمير السلطان الأعلى أو من دونه – ولكنه لا يقوم بالوظيفة على ماينبغي، إما بقصد سيء ، ليظهر فشل الأمير وأن الأمير غير قادر على تدبير ماتحت يده، أو بغير قصد سيء، لكنه متهاون فهذا لم ينصح لأئمة المسلمين، وعلى هذا يكون ناقصا في دينه.

إذن كل الذين يتهاونون في آداء الواجب في الوظائف يُعتبرون غير ناصحين لأئمة المسلمين، لأن النصح أن تعمل وكأنك أنت المسؤول الأول، يعني لو أن الموظفين عملوا وكأن الواحد منهم هو المسؤول الأول لسارت الأمور على ماينبغي، لكن كثير من الموظفين ولا نقول : أكثر الموظفين إنما يستغلون الوظائف من أجل الرغبات الخاصة، ولذلك قلّ أن تجد الناصح.

هذه سبعة أمور كلها تدخل تحت قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( لأئمة المسلمين) .

ربما يكون هناك أشياء تظهر بالتأمل لاتحضرني الآن)) .

انتهى كلامه بنصه من (شرح بلوغ المرام ، كتاب الجامع ، باب الترغيب في مكارم الاخلاق ، في شرح حديث (الدين النصيحة) ، شريط رقم 15 ، الوجه الأول ، من الدقيقة 29 إلى الدقيقة 39 ) .

وبعدُ: فإني أحث أهل السنة جميعا أن ينشروا هذا الكلام بين الناس ويتناقلوه بينهم ، فكم يحزنك أن تذكر مثل هذا الكلام عند العامة فيقول أحدهم : أول مرة نسمع مثل هذا !

بل إن كثيرا من العامة تراهم يخالفون في باب السمع والطاعة ، وتسمع منهم سبا وشتما لولاتهم ، فإذا ذكرت لهم الأحاديث الواردة في هذا الباب ، وبينت لهم كثرتها أذعنوا لها ، وسلموا بها ، وقالوا : أين نحن من هذه الأحاديث ، ما سمعنا بها قبل ، ولم يخطر في بالنا وجودها .

كما أدعو القادرين من طلبة العلم وغيرهم أن يأخذوا كلام ابن عثيمين المتقدم ويشرحوه لطلابهم ، أو يعلقوا عليه تعليقات نافعة ويخرجوها في مقال مكتوب أو شريط مسموع ، فإنه يحصل بذلك نفع كبير بإذن الله .

وزيادة في إيضاح كلام الشيخ ، وإسهاما مني فيما دعوت إليه ، أذكر ما ورد في كلامه -رحمه الله- في عناصر على النحو التالي :

١- بيان معنى الأئمة وأهم صنف منهم .

٢- التفريق في طريقة المناصحة بين أئمة المسلمين وبين عامتهم .

٣- يجب اعتقاد وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور ، وأن هذا الإعتقاد له أثر في طاعتهم في الظاهر .

٤- أن طاعة الولاة ليست لأجلهم أو طمع لما عندهم ، وإنما لأن الله ورسوله أوجباها علينا وأمرانا بها .

٥- أن الطاعة لا تكون إلا في معروف ، ولا طاعة لهم في معصية الله .

٦- أن الطاعة لهم في المعروف مقيدة بأن يكونوا مسلمين ، فإن كانوا كذلك فما يصدر منهم من الظلم والمعاصي مهما بلغت لا يوجب نزع أيدينا من طاعتهم .

٧- أن عدم طاعتهم في المعصية لا يوجب منابذتهم ، بل يبين لهم معصيتهم برفق ولطف.

٨- أننا إذا نصحنا ولي أمرنا ولم يهتد فقد أدينا الذي علينا ، ولا يكلفنا ربنا غير ما نستطيع .

٩- عدم جواز إثارة الناس على ولاة أمورهم .

١٠- أن الإثارة تكون بذكر معايبهم ونشرها بين الناس .

قلت (ناصر) : ولو لم يقصد المتكلم إثارة الناس.

١١- لا يجوز السكوت عن خطأ ولي الأمر ، بل تجب مناصحته على المستطيع ، لكن على وجه الخفاء والحكمة ، والأخذ بيده ، وتكليمه بينك وبينه .

١٢- حرمة المناصحة العلنية للوالي ، لما يترتب على ذلك من مفاسد وفتن ، وتعليله :

١٣- أن خطأ الوالي لا يقابل بخطأ مثله ، والمفسدة لا تعالج بمفسدة مثلها أو أعظم .

١٤- المناصحة السرية هي الطريقة السليمة التي دل عليها الشرع .

١٥- من المقاصد أن تكون لولي الأمر هيبة عند الناس واحترام لائق به ، ونقصان قدره وهيبته له سلبيات كثيرة .

١٦- أن الخطورة تشتد في وقت الأزمات وكثرة الكلام .

١٧- ليس معنى ما سبق ، أن نصور للحاكم خلاف الذي يقع ، فنذكر الخير ونترك الشر ، أو نذكر أن الناس في عيش ورخاء وأمن وهم على خلاف ذلك .

فإن هذا من عدم النصيحة للأمير وهو غش له ، ومن فعله فهو من أسوأ الناس وأغشهم ، فإن الحاكم إن لم يعلم العيب الواقع فلا يمكن أن يصلحه .

١٧- وجوب القيام بالأعمال التي كلّف بها ولي الأمر الناسَ كما ينبغي ، وإلا حصلت مفاسد غير محمودة .

١٨- قد تكون المخالفة بقصد ، وقد تكون من غير قصد .

١٩- النقص في نصيحة الأمير نقص في دين الإنسان .

غفر الله للشيخ الناصح محمد بن صالح ، وجمعنا وإياه والمسلمين في جنات النعيم .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وكتبه : ناصر بن غازي الرحيلي .

المدرس في قسم العقيدة في الجامعة الاسلامية .


شارك المحتوى: