قطاع الطريق على وحدة الصف


قطاع الطريق على وحدة الصف

الحمد لله الذي ألف بين قلوب صحابة محمد صلى الله عليه وسلم بعد فرقتهم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي جاء بفرقان فرق فيه بين الحق والباطل فرق به بين الوالد وولده .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]

أما بعد :

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة .

إن من أصول أهل السنة الاجتماع والائتلاف، فإن الاجتماع والائتلاف على الحق أصل من أصول الإسلام، ومن أصول أهل السنة، قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [آل عمران: 103]

وذم الله سبحانه الفرقة والاختلاف قال سبحانه {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32]

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم :” إن الله يرضى لكم ثلاثاً” ثم قال :” أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”

فالشريعة جاءت بالاجتماع على الحق والتآلف والتعاون عليه ، قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2]

وينبغي أن يراعى في هذا أمور :

الأمر الأول/ أن الشريعة لم تأت بكل اجتماع، وإنما جاءت بالاجتماع على الحق، فلا تقر الشريعة أن يجتمع أقوام على منكرات أو محرمات؛ سواء كانت شهوانية كشرب الخمر، أو شبهاتية كاجتماع أهل التصوف المبتدع على الذكر الجماعي . وإنما جاءت باجتماع مقيد بالحق لذا قال تعالى{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} فدعا إلى اعتصام مقيد بحبل الله .

الأمر الثاني/ أن الاجتماع في الظاهر أي في الأبدان مع اختلاف العقائد مذموم في الشرع، وقد ذم الله به اليهود بقوله {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14]

الأمر الثالث/ الشريعة لا تذم التفرق مطلقا، فإن التفرق إذا كان تفريقاً عن باطل فإن هذا محمود في الشرع، ثبت عند الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد عن المقداد رضي الله عنه أنه قال عند كلامه عن النبي صلى الله عليه وسلم :” جاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق به بين الوالد وولده “

فالشريعة لا تذم التفرق مطلقاً، لا تذم أن يتفرق أقوام مجتمعون على منكر عن هذا المنكر ، فلو اجتمع قوم على شرب خمر ثم تفرقوا عن ذلك واختلفوا ما بين تارك للخمر ومصر عليها، فإن هذا التفرق محمود شرعاً، فإن تفريق أهل الباطل عن الباطل مطلوب شرعًا .

الأمر الرابع/ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من أسباب التفرق المذموم، ولا منافي للاجتماع المحمود، فالشريعة التي جاءت بالاجتماع على الحق جاءت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال سبحانه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران: 110]

بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أقوى أسباب الاجتماع على الحق، فمن أنكر على أقوام متجمعين على منكر، فإنه داعية من دعاة الاجتماع على الحق، ومن دعاة التفرق المطلوب شرعا ، ومن ذلك الرد على المخالف، وعلى التحزبات البدعية إلى غير ذلك .

إذا تبين هذا إخوة الإيمان فاعلموا أن تصنيف الناس نوعان:

الأول: تصنيف بحق . وهذا قد رجع إليه العلماء وصنفوا المنتسبين للإسلام من أهل البدع إلى أصناف، وسموهم ببدعهم فسموا المعتزلة وردوا عليهم، وسموا الأشاعرة وردوا عليهم، وسموا الصوفية المبتدعة وردوا عليهم، ولم يعدوا هذا تصنيفاً باطلاً؛ لأنه تصنيف بحق وبعدل وبمقتضى الأدلة الشرعية .

أما النوع الثاني فهو التصنيف بالباطل، فهذا محرم بألا يكون مستنداً إلى شرع ولا إلى إدانة المخالفين بفعالهم وأقوالهم ، كأن يكون التصنيف نابعًا عن ظلم وهوى وغير ذلك، فهذا محرم شرعًا .

لذا لا يصح أن يذم التصنيف مطلقا، وإنما يذم التصنيف بالباطل، وإن التصنيف بحق جاءت به الشريعة وسار عليه علماء الأمة – كما تقدم بيانه –

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فإن من أعظم ما يوحد الصف ويلم الشمل ، ويقوي المسلمين التمسك بأصل مهم من أصول الكتاب والسنة، وهو الطاعة للحاكم المسلم ولو كان فاسقا، نعم للحاكم المسلم ولو كان فاسقاً، في غير معصية الله، أما في معصية الله فلا سمع لأحد لا صغير ولا كبير، فحق الله مقدم على كل حق.

إن الأدلة الشرعية متكاثرة ومتواترة في السمع والطاعة للحاكم المسلم ولو كان فاسقاً ظالما بما أنه مسلم ، ومن تلك الأدلة ما أخرج مسلم من حديث عوف بن مالك قال صلى الله عليه وسلم :” ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة “

فجمع هذا الحديث بين السمع والطاعة له، وفي المقابل ألا يرضى بما عندهم من المنكرات .

وإن الشريعة شرعت هذا الأصل وهو السمع والطاعة للحاكم المسلم لمصالح كثيرة منها: وحدة الصف، ولم الشمل ، وقوة المسلمين. لذا قال سلفنا: حاكم غشوم ولا فتنة تدوم .

وأقرب دليل وأكبر دليل وأعظمه ما نعايشه من توتر وضع إخواننا المسلمين في بلدانهم التي حصل فيها خروج على حكامهم المسلمين، فكم حصل من تشتيت لجمعهم وتفريق لصفهم وسفك لدمائهم واعتداء على أعراضهم والسعيد من وعظ بغيره .

لذا كل من دعا إلى الثورات وإلى ما يسمى بالربيع العربي هو داعية لشق الصف وتفريق الجمع؛ لأن حقيقة هذه المظاهرات والاعتصامات والثورات أنها مناطحة لولاة أمر المسلمين مما يؤدي إلى ضعف الأمن المؤدي إلى ضعف الدين واسترخاص الدماء والأعراض.

فكل جماعة أو حزب أو فرد يدعو إلى هذه الثورات، وهذا الذي يسمى بالربيع العربي، هو عدو لمجتمعه ولوحدة صفه .

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجمع شملنا على التوحيد والسنة، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للقيام بالتوحيد والسنة، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للقيام بالتوحيد والسنة، وأن يحقن دماء المسلمين وأعراضهم، وأن يجمع شملهم ويوحد صفهم على التوحيد والسنة إن الله سميع مجيب .

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

د. عبد العزيز بن ريس الريس

@dr_alraies


شارك المحتوى: