صلاة التراويح

د. يوسف بن محمد السعيد

صلاة التراويح

الحمد لله الذي فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من الأمم ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله هو وأستغفره ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده .

أما بعد فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن التقوى بها نجاتكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة ، وبها ييسر الله كل أمر عسير {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}

عباد الله فإن أمة محمد أقصر الأمم أعمارا ، وهي أقل مدة في الدنيا من غيرها من الأمم ، لكن الله تعالى برحته ومنه وفضله وكرمه شرع لهذه الأمة من العبادات ما يجعلها تدرك بها من سبقها من الأمم ، بل تسبقها في الأجر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

وهذه الأعمال يسيرة جدا ، لكن أجورها عظيمة ، فاحمدوا الله على أن وفقكم لشرعة الحق والهدى ، شرعة الإسلام ، وسلوه الثبات عليها إلى يوم تلقونه .

وإن من هذه العبادات اليسيرة ما شرعه الله تعالى لكم من صلاة التروايح ، فهذه الصلاة أول من صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا ينكرها إلا أهل الزيغ والبدع ، وهي من صلاة الليل التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتركها سفرا ولا حضرا ، وقد أثنى الله جل وعلا على أهل هذه الصلاة {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

وقام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورمت قدماه ، وحتى تفطرت قدماه .

وقال صلى الله عليه وسلم في شأن ابن عمر رضي الله عنهما : « نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل » ،

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : « أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن جاء ، فلما رأيت وجهه واستبنه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول ما سمعت منه أن قال : أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام » وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، فقام رجل فقال : لمن هي يارسول الله ؟ فقال : لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام » .

وقال صلى الله عليه وسلم : « من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » وكان السلف يحرصون على صلاة الليل وبخاصة في شهر رمضان ، فقد جمع عمر رضي الله عنه الناس في خلافته لصلاتها ، وما زال الناس من ذلك الوقت إلى يومنا هذا وهم يحيون رمضان بهذه الصلاة المباركة .

عباد الله : إن هذه الصلاة سميت تراويح لأن السلف كانوا إذا صلوا أربع ركعات استراحوا قليلا .ولذا ينبغي ترك العجلة فيها ؛ لينتفع الناس بها ، وليسمعوا كلام الله من إمامهم ، وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في إطالة هذه الصلاة ، فقد أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس في رمضان ، فكان القاريء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام » وقال الأعمش : « أدركت القاري إذا قرأ خمسين آية قالوا : إنه ليخفف ، وأدركت القراء في رمضان يقرؤون القصة كلها قصرت أو طالت » ، وقال علي بن الأقمر : «أمنا مسروق في رمضان فقرأ في ركعة بسورة العنكبوت » وإن من الناس من يتتبع الأئمة الذين يخففون صلاتهم جدا ، بل ربما كانت قراءتهم هذرمة ، ولا يطمئنون في ركوع ولا سجود ولا جلوس . قال يونس بن عبيد رحمه الله : « ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفريضة » لكن إذا خشي من نفور الناس فليؤخذوا بشيء من التخفيف ، فقد سئل أحمد عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس ، قال : هذا عندي على قدر نشاط القوم » انتهى كلامه . والإمام راع فيمن يصلي خلفه فعليه ان يفعل ما هو الأكمل في حقهم الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا ينبغي أن يقرأ القرآن بلحون العجم على ما يسمى بالمقامات التي ابتدعها الناس لما ضعف الدين في القلوب ، واتخذوا آيات الله هزوا ، فجعلت مشاكلة لأغاني الفساق ، بل يقرأ القرآن مزينة به الأصوات ، قال الشافعي رحمه الله تعالى في قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس منا من لم يتغن بالقرآن » قال يقرأه حدرا وتحزينا » ، قدم رجل من العراق فنزل المينة فأقاموه يصلي بالناس في رمضان ، فجعلوا يقولون لسالم بن عبد الله بن عمر : لو جئت ، فما زالوا به حتى جاء ليلة فسمع حتى دخل أو أراد أن يدخل فخرج وهو يقول : غناء غناء » .

ولا ينصرف أحدكم حتى ينصرف إمامه من صلاته ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة » وإذا قام أحدكم آخر الليل واراد أن يصلي فليصل ماشاء غير أنه لا يوتر إذا كان أوترمع إمامه لأنه لا وتران في ليلة .

وينبغي إحياء هذه الليالي المباركة بالتعبد والاستغفار والتسبيح والذكر والدعاء ، ولا يليق بالمسلم أن يضيع هذه الأوقات الفاضلة التي ربما لا تعود عليه مرة أخرى بالسهر على مزامير الشيطان واللهو والقيل والقال والنظر إلى ماحرم الله ، فما هي إلا أيام قلائل وترتهن في قبرك بعملك ، فأعد لهذا المسكن عدته فأنت اليوم قادر على ذلك .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.


شارك المحتوى: