زجر المتساهلين في الطلاق

عبدالله بن محمد الحساني

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

🔸أما بعد: فمن المواثيق العظيمة في الإسلام ميثاق الزواج بين الرجل والمرأة {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } [النساء : 21] وهذا الميثاق الغليظ قد تساهل فيه كثير من الناس وتلاعبوا به فليس لهم مسؤولية تجاه أزواجهم وأشد ما هنالك ما يفعله كثير من المتدينين أو المنتسبين للعلم والدعوة من كثرة الطلاق والتسرع فيه وكأن شيئًا لم يكن بل أشد من ذلك ما يفعله بعضهم من الزواج بنية الطلاق استناداً لبعض فتاوى أهل العلم لا تنطبق عليهم ولو سألوا من أفتى بجوازه لأفتاهم بأن فعلهم إلى المتعة أقرب بل لو ذكر الطلاق مع العقد لكان متعة بلا خلاف.
🔸 وما يفعله هؤلاء الذين يتزوجون ويطلقون ثم يتزوجون مرة أخرى ويطلقون اساءة لأنفسهم وإساءة لمجتمعهم بل كانوا سبباً في تشويه صورة المتدينين عند عامة الناس فلا عدل ولا وفاء ولا إحسان هذا كله قد ابتعدوا عنه وكانوا عنه في منأى فالله عز وجل قد جعل الرابط بين الرجل والمرأة في الزواج رابطاً عظيما وهؤلاء يتساهلون فيه فَكلما مل أحدهم بحث عن الجديد، قال المنفلوطي رحمه الله: ” إن الضجر والسآمة من الشيء المتكرر المتردد طبيعة من طبائع النوع الإنساني فهو لا يصبر على ثوب واحد أو طعام واحد أو عشير واحد، وقد علم الله سبحانه وتعالى ذلك منه, وعلم أن نظام الأسرة لا يتم إلا إذا بني على رجل وامرأة تدوم عشرتهما، ويطول ائتلافهما، فوضع قاعدة الزواج الثابت ليهدم بها قاعدة الحب المضطرب، وأمر الزوجين أن يعتبرا هذا الرباط رباطا مقدسا حتى يحول بينهما وبين رجوعهما إلى طبيعتهما, وذهابهما في أمر الزوجية مذهبهما في المطاعم والمشارب من حيث الميل لكل جديد، والشغف بكل غريب، هذا هو سر الزواج وهذه حكمته ” النظرات،( ٢١١/١).
🔸وهم كذلك قد جردوا الزواج من حكمه العظيمة فهو آية من آيات الله قد عبث بها هؤلاء العابثون، قال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله :
” أيها المسلمون: إن عقدة الزواج عقدة مؤكدة، يحافظ عليها الأحرار، ويتلاعب بها الفجّار، وإن العصمة امتياز لرجالكم، ما لم تطغوا فيه وتظلموا، فإذا طغيتم فيه وجُرتم عن القصد، كما هي حالتكم اليوم، انتزعه منكم القضاء الإسلامي العادل لو كان. فإذا لم يكن عاقبكم الله بعذاب الخزي.
ما هذه الفوضى وهذا الاضطراب إلا عقوبة من الله لكم، وغيرة منه على أحكامه أن تتولوها بالهوى المطاع، والجهل القالب للأوضاع .”
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، (٢٩٩/٣) وقال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى أيضاً :
” إن من يأخذ فقه الطلاق من آية: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}، ومما بعدها من الآيات الآمرة بالوقوف عند حدود الله، الناهية عن تعديها، أو من آية: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}؛ أو من آية الحكمين ووعد الله بالتوفيق عند الإصلاح، وبالإغناء من واسع فضله عند التفرّق؛ أو من آية تخيير النبي أزواجه بين حالين: أحدهما التمتيع والسراح الجميل، مَن أخذَ فقه الطلاق من هذا المنبع العذب يعلم أيّ حكم مبثوثة تحت كل كلمة وكل جملة، ومن تفقه هذا الفقه ونشره في الناس يبعد جدًّا أن يتلاعب بتلك العقدة الإلهية التي عقدها الله بين الزوجين، فيضعها في موضعها المعروف بين المسلمين الآن.”
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي،( ٢٩٨/٣).
🔸 ثم إن هؤلاء المتسرعون في الطلاق لا ينظرون لمفاسده العظيمة على الأولاد وعلى الزوجة وما يسببه الطلاق لهم من آلام
قال ابن تيمية في القواعد النورانية :” فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ تَكُونُ فِي صُحْبَةِ زَوْجِهَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ مَتَاعُهُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ، إِنْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا أَعْجَبَتْكَ، وَإِنْ أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ» “، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ الْمُهَاجِرُونَ: ” «أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ؟ فَقَالَ: أَفْضَلُهُ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى إِيمَانِهِ» “، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ. وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] [الرُّومِ: 21] ،فَيَكُونُ أَلَمُ الْفِرَاقِ أَشَدَّ علَيْهِمَا مِنَ الْمَوْتِ أَحْيَانًا، وَأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ الْمَالِ، وَأَشَدَّ مِنْ فِرَاقِ الْأَوْطَانِ، خُصُوصًا إِنْ كَانَ بِقَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُبٌّ وَعَلَاقَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَطْفَالٌ يَضِيعُونَ بِالْفِرَاقِ وَيَفْسُدُ حَالُهُمْ، ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إِلَى الْقَطِيعَةِ بَيْنَ أَقَارِبِهِمَا، وَوُقُوعِ الشَّرِّ لَمَّا زَالَتْ نِعْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهَا فِي قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] [الْفُرْقَانِ: 54] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنَ الْحَرَجِ الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجِّ: 78] ، وَمِنَ الْعُسْرِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] [الْبَقَرَةِ: 185]”.
قال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى :
” أيها المسلمون: إنه لا أشقى من ابن المطلقة، وإن أباه يُشقيه أولًا، ويشقى به أخيرًا، فإذا ربيَ في حضن أمّه المطلقة شقي ببعده عن أبيه، وشقي أبوه بما تغرسه أمّه في نفسه من بغض له وحقد عليه.
إن الأمة لا تنعم بأطفالها صغارًا، ولا تنتفع بهم كبارًا، إلا إذا نشأوا متقلبين في أحضان الآباء والأمهات، متلقّين لدروس العطف والحنان من قلبين متعاطفين، لا من قلب واحد.
ليت شعري أيدري المتساهلون في الطلاق ماذا جنوا على أنفسهم وعلى أبنائهم وعلى أمتهم؟”
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ( ٣٠٠/٣).
🔸 أعيذك أيها الإنسان بالله ورحمته، والعهد وذمامه، أن تجعل لهذا الخاطر السيئ خاطر الطلاق أو الفراق سبيلا إلى نفسك، فإنها لم تسئ إليك فتسئ إليها، ولم تنقض عهدك فتنقض عهدها،.
إن عجزا من الرجل وضعفا أن يغضب فيمد يده بالعقوبة إلى غير من أذنب إليه، ويعتدي على من لم يعتد عليه.
إن لم يكن احتفاظك بزوجك وإبقاؤك عليها عدلا يسألك الله عنه، فليكن إحسانا تحاسبك الإنسانية عليه.
النظرات،(٧٤/٢).
” أيها الإنسان: إن لم تكن عادلا ولا وفيا ولا محسنا, فارحم نفسك من هذا الخيال الذي لا بد أن سيساورك ويفت في عضدك ويزعجك من مرقدك، فإن لم تكن هذا ولا ذاك فغيرك أخاطب؛ لأني لا أحسن إلا مخاطبة الإنسان.”
النظرات(٧٥/٢).
🔸 وآخيرا فليحذر الآباء من تزويج بناتهم لهؤلاء العابثين واسأل الله أن يبعد شرهم عن المسلمين.
عبدالله الحساني.
ليلة الثلاثاء 18-10-1439


Tags:

شارك المحتوى: