رسالة إلى قادة الحركات المسلحة بدارفور إلى خليل وعبد الواحد ومن سار على دربهما :


رسالة إلى قادة الحركات المسلحة بدارفور

إلى خليل وعبد الواحد ومن سار على دربهما :

كتبهـــا : عارف عوض الركابي

لقد أصبحت قضية دارفور قضية “دولية” اشتهرت على مستوى العالم أجمع ، وأضحت مكان اهتمام الأفراد والمنظمات والدول ، أشغلت البال وكثر بسببها السؤال ، هنا وهناك قيل وقال ، بل وقتل واقتتال ،، ، وإلى الله الشكوى ، إنه هو الكبير المتعال.

ومن ينظر فيما يردده زعماء الحركات المسلحة في دارفور يجد أن أهدافهم الأساسية في قتالهم للحكومة وخروجهم عليها هو : المطالبة بالتنمية في هذا الإقليم ، والغضب من معاناتهم من “التهميش” ، واحتياج الإقليم للضروريات … وغير ذلك.

ومما لا شك فيه أن الرعية لهم حقوق يجب على ولي الأمر والحاكم القيام بها ، وإن من حق أي مواطن أو مواطنين في أي إقليم أن يطلبوا من ولاة أمرهم الوفاء باحتياجاتهم وتنفيذها إذا كان من المقدور تحقيقها .

إن إقليم دار فور له احتياجات ، بل ضروريات ،كما أن أقاليم السودان الأخرى هي ــ أيضاً ـــ بحاجة إلى مشروعات التنمية وكثير من الضروريات ،،

ولكن هنا ثمة أسئلة ، من المهم ـ جداً ـ الإجابة عليها :

أولاً: هل بقية أقاليم دولة السودان تشارك إقليم دارفور في هذه الاحتياجات ؟!

ثانياً : ما النتائج المتوقعة فيما إذا تمت المقارنة بين الأقاليم الأخرى وإقليم دارفور في الاحتياجات والمطالبات ؟!

(والإجابة على هذين التساؤلين تحتاج تفصيل وبسط أرجو أن يكون في حلقة مستقلة إن شاء الله تعالى) .

ثالثاً : ما الحكم الشرعي فيما قامت وتقوم به الحركات المسلحة في إقليم دار فور من القتال وغيره لأجل تحقيق المطالب التي يسعون إليها ، وما الذي ترتب على ذلك ؟

ما حكم القتال لأجل العصبة والقبيلة ؟

ما حكم الشرع في الحمية للعصبة والقبيلة ؟

وللإجابة على التساؤلات المطروحة في فقرة (ثالثاً) فإني أسوق الأحاديث التالية ، والتي يتبين من خلالها اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القضية ، وتحذيره الشديد لأمته من المقاتلة لأجل العصبية والقبلية ، لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير والهلاك العظيم للحرث والنسل.

الحديث الأول :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( .. من قاتل تحت رايةٍ عُمِيّة يدعو إلى عصبيةٍ أو يغضب لعصبية ، فقتل ، فقتلته جاهلية ) رواه النسائي في السنن رقم ( 4114 )

وفي لفظ : (.. ومن قتل تحت رايةٍ عُمِيّةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ) أخرجه مسلم في صحيحه ) كتاب الإمارة رقم ( 1848 )

قوله : ( عُمية ) الدعوة العمياء ، فسرها الإمام أحمد – رحمه الله ـ بقوله : “الأمر العمى للعصبية لا يستبين ما وجهه” .

والعصبة : بنو العم ، والعصبية أخذت من العصبة .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : “إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمه ، والنهي عنه ، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقاً “.

الحديث الثاني :

عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل تحت راية عمية يدعوا عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية ) أخرجه مسلم في ( صحيحه ) رقم (1850 )

الحديث الثالث :

عن أبي عقبة – وكان مولى من أهل فارس – قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً فضربت رجلاً من المشركين فقلت خذها مني وأنا الغلام الفارسي .

فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( فهلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ) أخرجه أبو داود في (سننه ) ، كتاب الأدب ، باب في العصبية(5/343)

الحديث الرابع :

عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( .. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم ) .

قالوا : يا رسول الله ، وإن صام وإن صلى؟! . قال ( وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم ، فادعوا المسلمين بأسمائهم ، بما سماهم الله عز وجل : المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل ) . أخرجه أحمد في ( المسند ) (4/130-202)

وأخرج أبي شيبة في ( المصنف (15/33) عن أبي صالح أنه قال : ( من قال : يا آل فلان ، فإنما يدعوا إلى جثاء جهنم ).

وقد سمانا الله عز وجل بالمسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن العزيز ، قال الله عز وجل )وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( (الحج:78)

الحديث الخامس :

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس منا من دعا إلي عصبيةٍ ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبيةٍ ) . أخرجه أبو داود في ( سننه ) كتاب الأدب ، باب في العصبية (5/389). وله شاهد يشهد له ويقويه وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ( صحيح مسلم ) .

الحديث السادس :

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قبة من أَدَم ، فقال : ( من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه ).

أخرجه أبو داود في ( سننه ) (5/431) كتاب الأدب في العصبية وإسناده صحيح .

قوله ( يُنزع ) : يعالج ويحاول أن يخرج عنها .

والمعنى : أن من نصر قومه على غير الحق فقد أوقع نفسه في الهلكة بتلك النصرة الباطلة ، حيث أراد الرفعة بنصرة قومه ، فوقع في حضيض بئر الإثم ، وهلك كالبعير ، فلا تنفعه تلك النصرة كما لا ينفع البعير نزعه عن البئر بذنبه .

وقيل : شبه النبي صلى الله عليه وسلم القوم ببعير هالك ، لأن من كان على غير حق فهو هالك ، وشبه ناصرهم بذَنَب هذا البعير ، فكما أن نزعه بذنبه لا يخلصه من الهلكة ، كذلك هذا الناصر لا يخلصهم عن بئر الهلاك التي وقعوا فيها . اهـ . من ( مرقاة المفاتيح للقاري) (8/643)

الحديث السابع:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع يوم عرفة فقال : ( .. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ..) أخرجه مسلم في ( صحيحه ) رقم (1218 ) كتاب الحج.

قال شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ): (وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات ، مثل دعواهم يا لفلان ، ويا لفلان ، ومثل أعيادهم ، وغير ذلك من أمورهم ). ا هـ .

ومن أراد الاستزادة من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع المهم فليراجع كتاب (الأحاديث النبوية في ذم العنصرية) للشيخ الدكتور عبد السلام بن برجس ـ رحمه الله ـ.

وهذه الأحاديث تبين الحكم الشرعي في المقاتلة لأجل العصبة والعشيرة والقبيلة.

وتحذر من أراد السلامة لنفسه في الدنيا والآخرة أن ينأى عن ذلك ويبتعد كل الابتعاد.

إن مطالب أهل أي إقليم لا تبيح لهم مخالفة هذه النصوص المحكمة ، ولا تجيز لهم الوقوع فيما حذرت منه من الوعيد الشديد ـ والعياذ بالله تعالى ـ .

إن لإقليم دارفور مكانة عظيمة ومحبة خاصة وخالصة في قلب أهل السودان جميعاً ، ولإقليم دارفور مزاياه الخاصة والكثيرة وعلى رأسها : عناية أهله بكتاب الله العزيزعلى مر الأجيال والعصور ، ومن تلك المزايا: العاطفة الدينية الواضحة لدى أهله ، والكرم الفياض والجود الذي لا يتكلف لديهم، والطيبة التي هي ميزة لأهل السودان ، ولا يستغرب ذلك من أهل إقليم كان من أبنائه علي دينار وغيره ممن سطروا صفحات مشرقة في التاريخ في جوانب معينة.

لقد تميز أهل دارفور بمثل هذه السجايا والخصال ، ولم يكتب في سجل التاريخ ولن يكتب أو يكون من أسباب التمييز في يوم ما الجانب (القبلي) أو (العصبية الضيقة) .

إن الدعوة إلى القبلية هي من أشر الدعوات وأكثرها فتكاً في المجتمعات ، وهي أقرب وأسرع الطرق لتمزيق المجتمعات والفشل والخذلان ، ولذلك كانت ولا تزال موضع عناية من أعداء الإسلام والسلام في العالم فهم الذين يأججون نارها ويزيدون من لهيبها .

إنني ومن خلال هذه الصحيفة أدعو خليل إبراهيم وعبد الواحد محمد نور وجميع من ولج في هذه الفتنة بنفسه أو ماله أو فكره أو رأيه أو قلبه ، أدعوهم لأن يكفوا عما هم فيه من المقاتلة لأجل العصبية والقبلية ، وأن ينتبهوا لأنفسهم ويتقوا الله فيها ، وأن يتقوا الله في أهلهم وذويهم وعصبتهم وأهل دارفور جميعاً ، وأن يتقوا الله في هذه البلاد الجريحة المكلومة التي طالت معاناتها ومعاناة أهلها من التفرق ومن هذه الحروب المدمّرة المهلكة التي ضاعت بسببها الأعمار والأنفس والأموال والأوقات ، فإن في ذلك الخير لهم أولاً وللأمة ثانياً ، والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل.


شارك المحتوى: