دماج قلعة للعلم تحترق على ايدي الحوثيين

سالم بن محمد الكندي

دماج قلعة للعلم تحترق على ايدي الحوثيين

من يوم الرابع عشر من ذي الحجة لعـام 1432هـ التفت ايدي الغدر والمهانة من اتباع عبدالملك الـحــوثــي ( الرافضي ) الموالي لإيران حول قلعة ومنارة من منارات العلم في اليمن بدماج وهي مركز دار أهل الحديث والذي أسسه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله الذي أمتن به الله على أهل اليمن بنشر عقيدة التوحيد ومنهج علماء السلف الصالح فكان محطا لراحل طلبة العلم ومقصدا لهم من داخل اليمن وخارحها شمالها وجنوبها فدرس فيها كبار طلبة العلم في العالم وعاد بعضهم إلى بلدانهم وقد حملت أفئدتهم علم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ليخرجوا أقوامهم من الظلمات إلى النور ، فلا تكاد تجد طالب علم إلا ودماج حلمه وأمانيه ، فقد اكتظّ بها الآلاف من الطلبة على اختلاف أعمارهم وتنوع جنسياتهم وألوانهم ، فقد كان شيخها وعلامتها الوادعي رحمه الله أبا وأخا ومعينا ـ بعد الله ـ ومؤنسا للطلبة، همه من همهم وأكله من أكلهم حياته من حياتهم بالرغم من شدة العيش هناك وقلة النفقة فقد كان رحمه الله كريما سخيا ذا قلب رحيم لهؤلاء الطلبة فكان يدرسهم ويحل مشاكلهم وحكما في خلافاتهم ، أحبه كل من زاره ورأي تلك الابتسامة التي لا تفارق شفتيه والأمل الذي يتقاطر من نصائحه وقلبه الكبير الحنون الذي تجسه من وصاياه لمودعيه من الزوار والطلبة

وهذا يذكرني لإحدى زيارتي لهذا الجبل الشامخ وكان معي بعض زملائي ومن بينهم شخص كان لا يعرف الشيخ الوادعي إلا سماعا ولديه بعض المعلومة المغلوطة عن الشيخ فبعد أن عدنا من زيارتنا للشيخ الوادعي وافترقنا في مدينة صنعاء التقيت به بعد أيام فوجدته قد إزداد حبا وتعلقا بالشيخ الوادعي وقد وضع أشرطة له في استيريوا في مجلسه يستمع إليها فقال لي قد كان الشيخ من أبغض الناس إلي من ما أسمعه عنه من إغلوطات فصار الشيخ أحب الناس إلي من ما رأيته من الخلق والأدب في التعامل مع ضيوفه بخلاف ما يصلني من أخبار.

وهذه القصة تلفت الانتباه إلى العداء الذي يواجهه هذا العلامة من مخالفيه ومن ناصحهم لسلوك طريق الحق والبعد عن تسييس الدين وقلبه لصالح الدنيا فوقف سدا منيعا أمام كثير من الفتن التي تقصف بأرض اليمن والفساد الذي استشرى فكان كثيرا ما يناصح الرئيس اليمني ويطلب منه أن يتقي الله في الحكم والعدل بين الناس والحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وفي المقابل كان رحمه الله يرفض أي عطاءات تقدم له سواء من الدولة أو غيرها فعرض عليه مجلس القضاء في اليمن من الرئيس مباشرة فرفض مبررا الرفض بأنه متفرقا لتعليم الناس الكتاب والسنة والاجتهاد في طلب العلم , وفي إحدى المرات أصر عليه الرئيس اليمني أن يأخذ سيارة موديل حديث ليستقلها في سفره ودعوته فرفض الشيخ رفضا شديدا ولكن عندما أصر عليه الرئيس أن يأخذ منه السيارة فاشترط أن يأخذها لكمل فيها سفره للدعوة إلى الله إلى المحافظات الجنوبية ويردها فكان كما أراد الشيخ فعندنا انتهت مهمة الدعوة أعيدت السيارة إلى مجلس الرئاسة بصنعاء وأكمل الشيخ مسيرته إلى مسقط رأسه دماج .

ومع هذه الأحداث السابقة ترى البعض لا يزال يرمي هذا الإمام بأنواع من التهم التي ستكون في ميزان حسنات العلامة يوم القيامة ، فمرة بأنه يتلقى أموالا من جهات خارجية ، وهذه من أعجب التهم التي رمي بها فلو كان كما يقولون لاغتنى ورثته من بعده الذين لم يخلف لهم سوى مكتبة كتب !! ووصيته منشورا في صفحات النت وفي موقعه ، فأين تلك الملايين التي ترفد إليه من هنا وهناك أم هي أبواق مأجورة تريد تشويه العلامة الوادعي ودعوته.

ومرة يتهم بأنه داعم للإرهاب وأن دماج مأوى أفغان العرب كما يشاع لدى بعض الإعلاميين فلو كان كذلك لما طرد الشيخ الوادعي جماعة أسامة بن لادن شر طردة من مركزه دار الحديث كما هو تحدث بذلك

بل لقد زار مركزه قنصل السفارة الإمريكية كي يتأكد من خبر أفغان العرب وذلك بأمر من دولته فلم يرحل من دماج إلا وقد تأكد يقينا بأن دماج لم تكن معقلا للإرهاب ولا يوجد بها تدريبات على السلاح كما كانت تظنه الاستخبارات الأمريكية بل تعجب القنصل الأمريكي كل العجب من وجود هذه الدعوة السنية في قوتها وصلابة دعاتهم في مجتمع يحدق بها الخطر من الحوثيين، وبين الشيخ الوادعي له أنه تعرض لعدة اغتيالات من قبل خصوم دعوته فعجب من ذلك أيضا كيف أن الشيخ لم يرفع قضية ولم يشتكي أحدا فكان رد الشيخ عليه ـ وذلك عبر مترجمه ـ نحن لا بد أن نصبر على ما يصيبنا بسب دعوتنا ولا نطلب العون إلا من الله ـ فرجع ذلك القنصل إلى سفارته قاصدا إيصال الخبر إلى دولته . كما أفادني بذلك المترجم الذي كان يترجم للشيخ مقبل .

ولكن لو لم يكن لمركز دار الحديث بدماج دعوة ونجاحا ـ بفضل الله ـ لم يجتهد الخصوم في نشر الإشاعات عنه وبذل المحاولات لقطع طريق هذه الدعوة المباركة التي تجوب حافلاتها أرجاء اليمن سنويا ويتخرج من رحمها مئات الدعاة الذين هم الآن قائمون على عدد من المراكز العلمية داخل اليمن وخارجها ، حتى وصل خبر العلامة الوادعي مسامع كثير من علماء عصره فتشرف بالثناء منهم عليه وعلى دعوتهم كأمثال العلامة عبدالعزيز بن باز وناصر الدين الألباني ومحمد بن صالح العثيمين وصالح الفوزان فرحم الله ميتهم وحفظ الحي منهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء ، فأثنوا عليه خير ثناء وعلى عقيدته وجهاده في نشر السنة في بلاد اليمن رغم وشاية الواشين وأساليب الحاقدين.

ثم خلفه بعد وفاته تلميذه الشيخ يحيى الحجوري بالرغم من أنه لن ولم يكن كأستاذه ولكن جزاه الله خيرا على بذله في السير على طريقة شيخه في التعليم ونشرالسنة وبغياب مؤسسه ومعلمه إلا أن المركز لا يزال يكتظ بطلابه ولم تنطفئ أنواره بل بقيت روافده تغدق على أهل اليمن من العلم النافع والتربية الصالحة .

فأثار هذا المركز الشامخ وهذا الرافد العلمي الكبير حفيظة الحوثيين لما لمسوه من هدم لعقيدة سب صاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عن صحابته الميامين وتدريس كتب التوحيد التي ألفها المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وكتب الصنعاني والشوكاني وغيرهم من علماء الإسلام المعروفين فلم يهدأ لهم بالا ولا استقر لهم قرارا حتى استغلوا الأحداث التي تمر بها بلاد اليمن من الفوضى والتمزق السياسي والاختلاف على الحكومة فجعلوا شوكتهم هذه المرة على مركز دار الحديث بدماج الذي طالما حلموا بإزالته وشطب أثره من على أرض دماج فنشروا رجالهم حول دماج وصوبوا سلاحهم وذخيرتهم إلى طلبة العلم فقتلوا من قتلوا ومارسوا عليهم حصارا كحصار المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعوا عنهم كل شيء حتى الطعام والعلاج تحت ستار تعتيم إعلامي وتشجيع الإيراني ، فأين تلك الهتافات التي نسمعها في أحداث ما؟!! ولكن.. في دماج الأمر أختلف والحال أصبح بالمساومة على المواقف ، فمن ضعاف النفوس في اليمن ومن يمتلك ألوية عسكرية تقبع قريبا من ساحة الحدث ولها يد آثمة في نشأة هذه الحدث وتقوية الحوثيين ، يساوم طلبة العلم في دماج على مواقفهم من الثورة اليمنية على قاعدة : ( إما .. أو.. ) ونسي أن هؤلاء يعتبرون على أقل تقدير عنده أنهم مسملون فقط وفيهم الضعيف والمرأة والطفل فما ذنب هؤلاء أنهم لم يوافقوه في منهجه الثوري ويؤيدوا حزبه، وسلكوا منهج الهدي النبوي الذي أرشد إليه رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، أم نسي أن ما يتمتع به من السلطة والنفوذ هو من جيوب الشعب اليمني ؟؟ ، فمن أين تصرف رواتب جنده ؟!! ، ومن أين تصرف مبالغ الذخائر والإسلحة التي بأيديهم ؟!!

فأين العدل وأين المساواة وأين الأمان التي طالما تحدث عنها رجال الثورة ؟!! . أم أنها ثورة لصالح حزب وعلى خطى جماعة ؟؟

فأحداث دماج واعتداء الحوثيين عليها هي بمثابة أختبار قدرها الله أن تكون في هذا الوقت العصيب ليري شعب اليمن حقيقة مصداقية شعارات التسامح التي يرفعها الثوار

بل وفي هذا الأثناء من محنة دماج ترى بعض الأصوات النشاز عن مفهوم الإنسانية والإخوة الإسلامية يصدر منها نبرة غريبة جدا وكأن المحاصر هم إسرائليون صهاينة وليسوا بمسلمين !! ، من هؤلاء من يطلق عبارة تساند مايفعله الحوثيون ضد إخوانه في دماج ومنهم من يبتهل فرحا للحصار وغيرهم يجعل هذه الحصار تصفية لمنهج يخالف منهج حزبه .

ومع كل هذه المؤامرات والمحاولات نرى إخواننا في دماج محتسبين على الله فيما أصابهم سائلين العون من الله أن يكشف غمتهم ويزيل كربتهم فكم ، وكم عانوا ولاقوا في سبيل نشر دعوة السلف الصالح من الحصار الدعوي قبل الحصار المادي، فمن كان ناصره الله لن يخسر يوما من الأيام ولن تنكسر دعوته بإذن الله تعالى. وقد قال الله تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) وفي قراءة آخرى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْادَهُ) ذكرها الطبري وقال : [أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء ] وهذه الآية كافية في مواسات كل من يحمل دعوة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

ولهم في غزوة الخندق خير مثال حينما اجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب على اختلاف عقائدها ولكن هدفها واحد هو القضاء على الدعوة الإسلامية وقتل إمامها ودعاتها ، [فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم إليه شاور أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه ، وعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذا فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها ابن إسحق وغيره وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق وكان فيه آيات بينات وعلامات للنبوات مذكورات عند أهل السير والآثار منها أن كدية اعتاصت على المسلمين فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فضربها بالفأس ضربة طار منها الشرار وقطع منها الثلث وقال الله أكبر فتح قيصر والله إني لأرى القصور الحمر ثم ضرب الثانية فقطع منها الثلث الثاني وقال الله أكبر فتح كسرى والله إني لأرى القصور البيض ثم ضرب الثالثة فقطع الثلث الباقي وقال الله أكبر فتح اليمن والله إني لأرى باب صنعاء وقد نصر الله عبده وصدق وعده والحمد لله رب العالمين] من كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير للقرطبي

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

كتبه / سالم بن محمد الكندي


شارك المحتوى: