خطبة عن رجب

أحمد بن ناصر آل عبدالله

خطبة عن رجب

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا ، أما بعد

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: واتَّبِعُوا ولا تَبتَدِعُوا فَقد كُفِيتُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكم: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ )

عباد الله : ليس ثم عبادة إلا بدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم سلف هذه الأمة فلا عبادة بمقتضى فهم الآباء والأجداد ولا عبادة بتحسينات العقول ولا عبادة بما يرجع إلى أهوائنا وأذواقنا ، وإنما العبادة دين والدين يؤخذ عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يقول المولى جل وعلا :{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }

عباد الله :اعلموا أنَّ البِدعَةَ أَشَدُّ فَتْكاً بِقلبِ العَبدِ مِن المَعصِيَةِ، وَأعظَمُ خَطَراً على الدِّينِ؛ وأَخطَرُ ما فِي البِدعَةِ أنَّها مُشَاقَّةٌ لِلهِ تَعالَى فِي شَرعِهِ، واتِّهَامٌ لِنَبِيِّهِ بِعَدَمِ بَيَانِ دينِهِ؛ قال الإمام مالك رحمه الله: (من ابتدع في الإسلام بدعة ًورآها حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )، فما لم يكن يومئذٍ ديناً، فلا يكون اليوم ديناً )

عباد الله : ألا وإن مما تظهر فيه البدع شهرَ رجبٍ الذي هل علينا هلاله هو أحد الأشهر الحرُمُ الأربعة ، وسميت حُرُماً لزيادة حرمتها .

عظّم الله الأشهر الحُرُم كما في الحديث المتفق عليه :«إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثٌ

مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَة، وذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ

الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشعْبَانَ )

وقد خص الله هذه الأربعة بخصائص :

منها ؛ تحريم القتال فيهن ، ليأمن المسافر والحاج في طريقه فكان شهر قبل الحج وشهر بعده ، قال تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) والمحرم فيهن ابتداء القتال ، أما المدافعة والذود عن الحرمة والوطن ، فواجب في كل زمان ومكان ، بدليل أمر الله به في آخر الآية حيث قال ( مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً )

ومن خصائصها ما ذكره الحافظ ابن كثير بقوله : الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ، .. ثم نقل عن قتادة قوله: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها ) قال الشيخ ابن عثيمين : لاشك أن الذنوب في الأشهر الحُرُم أعظم .. والقاعدة : ” أن كلِّ زمان ومكان فاضل تضاعف الحسنات والسيئات فيه “

وتعظيم الأشهر الحرم لا يعني تخصيصها بشيء من العبادات لم يشرعه الله ورسوله ﷺ ، ونحن مأمورون بالاتبـاع لا الابتداع ، قال ﷺ :«مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفي بهذا الشهر دون سائر الشهور أو يدعو بالبركة فيه أما ما يروى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل شهر رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” فقد رواه البزار بإسناد ضعيف جداً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن عامة الأحاديث المأثورة

فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها كذب أ.هـ

فليس لشهر رجب خاصية على غيره, ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: “لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة”.

وقد أحدث الناس في هذا الشهر عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم :

ومن ذلك تعظيم أول خميس وليلة أول جمعة منه, قال الحافظ ابن رجب:( فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به, والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب، كذب وباطل لا تصح, وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء ، وقال الحافظ النووي: “هي بدعةٌ قبيحة منكرة أشدّ الإنكار.. ولا يُغتَرْ بِكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان )

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : “هذه الصلاة لم يصلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها، والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ” أ.هـ وذكر رحمه الله أن أول ما حدثت في الإسلام بعد المائة الرابعة في القرن الخامس .

ومن البدع المنكرة التي تفعل في هذا الشهر، بدعة الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، في الليلة السابعة والعشرين منه, قال شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ “لَم يَقُم دَليلٌ مَعلُومٌ لا على شَهرِها ولا على عَشرِها ولا على عَينِها، بل النُّقُولُ في ذَلِكَ مُنقَطِعَةٌ مُختَلِفَةٌ”

ثم لو ثبت وقتها وكانت مخصوصة بمزيد عبادة والله لكان أسبق الناس إليها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فأي خير في ابتداع من خلف ؟! .

عباد الله :لن تجد الأمة الإسلامية مكانتها ولن يعلو أمرها حتى تعتصم بالكتاب والسنة ، وما أصابها الذل والتفرق إلا حين فشت فيها البدع والخزعبلات ، قال الشاطبيّ رحمه الله: “إنّ المبتدعَ يُلقى عليه الذل في الدنيا والغَضَبُ لقول الله عز وجل: ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ )، فهو عامٌّ فيهم وفيمَن أشبَهَهم؛ لأنّ البدع كلَّها افتراء على الله”

وإنما يبرز قرن البدع إذا تزيا بالعلم من ليس من أهله ، واستفتي في الدين من ليس من حملته ، فظهر القصاص والوعاظ منابر الناس في المساجد وعبر الشاشات الفضائية ، فدونكم ما يوردونه من خرافات وقصص مكذوبة وأحاديث موضوعة .

ألا فاتّقوا الله عباد الله، واعلموا أن فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم

غُنيةٌ للمسلم وخير كثير، وفِّقنا الله لاتباع سنّته والتمسّك بشِرعتِه، والحشر في زُمرته .

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا أما بعد

عباد الله: كنا في هذه البلاد، في عافية من كثير مما وقع فيه الناس من البدع، ولكن لما تسهلت وسائل النقل، وتوفرت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ووفد إلى بلادنا كثير ممن نشأوا في مواطن البدع، ربما يشتبه الأمر على كثير من عوامنا، فوجب التنبيه على تلك البدع، حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه.

فكم سَتُشاهِدونَ عبر الفضائِيَّاتِ احتِفالاتٍ تُقامُ يَزَعُمُونَ أنَّها بِمناسَبَةِ لَيلةِ الإسراءِ والمِعراجِ!

إن البدع والمحدثات في الدين أصل كل بلاء وفتنه وإن الشيطان يحرص كل الحرص على صد الناس عن الدين الصحيح فإن رأى منهم عدم رغبة في الدين زين لهم المعاصي والشهوات ، وإن رأى منهم محبة للدين أدخل عليهم من البدع والزيادات ما يفسده عليهم .

عباد الله: إن البدع مع أنها حدث في الدين, وتغيير للملة, فهي آصار وأغلال تضاع فيها أوقات وتنفق فيها أموال, وتتعب فيها أجسام, وتبعِّد من الجنة وتقرب من النار, فما من بدعة تحدث، إلا ويميت الناس من السنن مثلها، ولا يُحدث رجل بدعة إلا وقد تَرك من السنة ما هو خير منها، وما ازداد صاحب بدعة اجتهادا، إلا ازداد من الله تعالى بعدا، وعمل قليل في سنة، خير من عمل كثير في بدعة، فإن الله تعالى إنما يتقبل من المتقين.

اللهم جنبنا البدع في دينك، فإنها تغير القلوب، وتبدل الدين، وتفرق الكلمة ، وتزيل النعماء، وتجلب الشقاء، اللهم ثبتنا على دينك، وزدنا من هداك .

اللهم أعز الاسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، ، اللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ فَرَجًا مِنْ عِنْدِكَ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي سَائِر بلاد المسلمين. اللَّهُمَّ فَرِّجْ كَرْبَهُمْ، وَارْحَمْ ضَعْفَهُمْ ، واكسر شوكة عدوك يا قوي يا عزيز .

اللهم أعن وأنصر إخواننا المجاهدين المرابطين على ثغور بلاد الحرمين اللهم سدد رميهم واخذل عدوهم ومكنهم رقابه .

اللهم وفق حكام المسلمين لما فيه خير لرعاياهم، وأجعلهم مفاتيح كلِ خير مغاليق كلِ شر يارب العالمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد صفوفهم على التوحيد والسنة وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم أمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا .

اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً، وعطاء مشفوعاً برضى. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، نافعا غير ضار .

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أحمد آل عبدالله


شارك المحتوى: