حال السلف وحال الخلف .. مقارنة ومفارقة

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

حال السلف وحال الخلف .. مقارنة ومفارقة

د. إبراهيم بن عبد الله المطلق / جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض

قضية القضايا في مفهوم السلف الصالح رضي الله عنهم تحقيق العبودية لله تعالى وكما شرع الله تعالى في كتابه الكريم وعلى لسان مصطفاه الأمين عليه الصلاة والسلام فلا معبود في مفهومهم إلا الله، وجميع أنواع العبادة هي حق لله وحده لا شريك له، من أشرك في شيء منها معه غيره حبط عمله وظهرت عداوته لله ولرسوله وللمؤمنين، ومفهوم الخلف في هذه القضية أن لا حاجة إلى التحدث في قضية العقيدة والتوحيد فالناس كلهم مسلمون، وحين النظر في غالب أقطار العالم الإسلامي نجد أن التوحيد والعبودية هي توحيد الأولياء والمزارات فالدعاء للأولياء والخوف منهم وهكذا…
القضية الثانية في مفهوم السلف عدم الغلو في الرجال والأشخاص وإن كان محمداً صلى الله عليه وسلم فقد آمنوا به نبياً رسولاً عبداً لله تعالى وأخذوا من فيه لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله، ومفهوم الخلف في هذه القضية الغلو في الرجال والأشخاص لدرجة التقديس والتأليه أحياناً، ووصل الحال ببعضهم إلى وصف النبي الكريم ببعض صفات الرب الرحيم، وفي هذا رد صريح لنصوص الكتاب والسنة في الغلو والإطراء ووصل الحال في البعض الآخر إلى تقديس مشايخهم والمبالغة في تعظيمهم والغلو في هذا الجانب وكأنما يتلقون كلامهم من رجال يوحى إليهم ممن كان له بالغ الأثر في تضليل الفتية والتغرير بهم في قضايا مهمة جداً فالله المستعان.
القضية الثالثة في مفهوم السلف سرعة الاستجابة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيق كامل مفهوم الطاعة لله ولرسوله ولا أدل من آيات تحريم الخمر فقد نادى المنادي في أزقة المدينة بالنهي والتحريم فامتلأت أزقة المدينة بالخمر بل وصل الحال أن من سمع النداء وقد وضع الكأس على شفتيه ليشرب نزعها ولم يذق طعمها، أما مفهوم الحلف حول هذه القضية فحدث ولا حرج والمتأمل لظاهر الكثير ممن ينتسب للإسلام يذرف دماً لا دمعاً على غلابة هذا الدين فالله المستعان.
القضية الرابعة في مفهوم السلف الاعتصام بحبل الله جميعاً وتحقيق الأخوة الإيمانية والالتفاف حول أئمتهم وولاتهم ومحاربة خصال الجاهلية الأولى من التفرق والتحزب والعنصرية استجابة لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام (أبدعوا الجاهلية وأنا بين أظهركم) ومفهوم الخلف ضرورة التحزب والانتماء فامتلأت الساحة الإسلامية بالفرق والجماعات والأحزاب، كل جماعة تضلل الأخرى وتكفرها وتلعنها وتقاتلها فالله المستعان. ولنعلم ان هذا التفرق والتحزب والتنازع هو من الأسباب الرئيسة في هواننا على الناس وتسلط العدو علينا فقد قال المولى جل وعلا {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وهل بعد هذا الحال حال والله المستعان.
القضية الخامسة في مفهوم السلف الفتوى وما أدراك ما الفتوى فقد كان كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم أعلم من على وجه الأرض بعد محمد صلى الله عليه وسلم يتدافعون الفتوى حيث يأتي السائل إلى أحدهم فيحيله تورعاً إلى صحابي آخر حتى يمر السؤال على ثمانين كل يحيل على الآخر حتى يعود إلى الأول وهكذا كان التابعون، وذلك لشدة خوفهم من الله تعالى لأن المفتي موقع عن الله تعالى فهو يقول للناس هذا حلال وهذا حرام، أما الخلف فحدث ولا حرج من حصل على شهادة جامعية في تخصص شرعي فهو إمام الأئمة مفتي الديار النجدية فيبدأ التصدر للفتوى والتعالم ويصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (… اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) وهذا هو حال الناس اليوم ففتاوي الإنترنت والقنوات الفضائية وغيرها، ولقد سمعت بأذني أحد هؤلاء المتعالمين يقول في قضية ما الفتوى جاهزة، فالله المستعان.
القضية السادسة في مفهوم السلف أسلوب التعامل مع كتاب الله تعالى فالغاية لديهم فهم كتاب الله تعالى وفقه معانيه وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه وتدبر آياته والعمل بها ولم تكن الغاية الاقتصار على حفظه فقط والتنافس في ذلك وهجر ما وراء ذلك، ومفهوم الخلف في هذه القضية التنافس غير المحدود في حفظ القرآن الكريم فتجاوزوا السلف في الاهتمام بالحفظ والحفظ فقط لدرجة التباهي والتفاخر ووضع أثمن الجوائز للحفظة والاحتفالات الكبرى لتكريمهم وأما العمل على فهم معانيه وتدبر آياته والاستجابة لتوجيهاته فالله المستعان. ولي وقفة مع هذه الاحداثات من الاحتفالات والتباهي وتصوير هذه الاحتفالات داخل المساجد وما مدى مشروعية هذا العمل وهل هو مشروع أو بدعة منكرة؟ لست عالماً لافتي ولكنني أترك الأمر لهيئة كبار العلماء لإصدار الفتوى الشرعية لتكون مقبولة ويعمل بها عند الجميع.
القضية السابعة: في مفهوم السلف قضية الجهاد وقتال الكفار فمفهوم السلف رضي الله عنهم أن الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ولم يسطر التاريخ والسير أن أحداً من صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأخص شباب الصحابة أخذته غيرته وحرصه على نصرة هذا الدين فانفرد برأيه وانشق عن الصحابة ليقاتل العدو سواء في العهد المكي ومرحلة شدة اضطهاد المسلمين وتعذيبهم أو في العهد المدني ومرحلة تأسيس الدولة الإسلامية ونصرة هذا الدين وأهله، ففي الأحزاب وقد حاصر الأحزاب المدينة لم يجرؤ أحد الصحابة على مبارزة أحد من المشركين لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأذن بذلك سوى علي رضي الله عنه، وفي المرة الثالثة أذن له صلى الله عليه وسلم، وتتضمن هذه القضية أسلوب التعامل مع الكفار، فقد توفي أحد خدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يهودياً ولم يلزمه عليه السلام بالإسلام ولم يجرؤ أحد من شباب المدينة على قتله لأنه يهودي، وقد كانت المدينة مقراً لعدد من غير المسلمين يهود أو مجوس أو غيرهم، ولأن نصوص القرآن والسنة توجب احترام صاحب الذمة والوفاء للمعاهد فلم يقتل أحدهم غيلة، وأما حال الخلف فقضية الجهاد هي قضية الساعة وهي القضية العظمى ومفهوم الجهاد لا لتكون كلمة الله هي العليا كما كان حال السلف بل لأجل التربة والأرض والوطن والوصول إلى مقاعد الحكم والرئاسة، والسبب أن الخلف جهلوا أحكام الجهاد وضوابطه وشروطه وأخذوا فتاوى الجهاد من بعض أنصاف طلاب العلم الذين لا يعرفون بالرسوخ بالعلم ولا يعرفون بسلامة المنهج وبعضهم عرف بانتمائه لبعض الفرق والجماعات التي جعلت قضية الجهاد أم القضايا بل وأهم قضية في هذا الدين، فهو أهم من قضية التوحيد وإفراد العبودية لله تعالى فلا اعتبار لإمام المسلمين ولا اعتبار لإذنه، وأما التعامل مع غير المسلمين في بلاد المسلمين فالفتوى لديهم بقتل كل كافر لأن الرسول أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب وهذا دليل الجهل المركب، فالرسول الذي أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب توفي ودرعه مرهون عند يهودي وهو نفسه الذي نهى عن قتل أهل الذمة والمعاهدين {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} والذي ينبغي سؤال أهل الذكر حينما يلتبس المعنى أو يلبس المفهوم ويلوث الفكر. فالله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جريدة الجزيرة – العدد 11942 – الخميس 2 جمادى الاولى 1426.


شارك المحتوى: