حادثة بقيق والحقد الصفوي

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

(حادثة بقيق والحقد الصفوي)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:21-22].
أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

إن الصراع بين الحق والباطل قديم ولا يزال، منذ أن بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق والصراع قائم بين الحق والباطل، وسيستمر هذا الصراع إلى قيام الساعة، وسيبقى أهل الحق قائمين بالحق متمايزين به عن أهل الباطل.

عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون». متفق عليه.
اللهم اجعلنا من هذه الطائفة يا رب العالمين.

وقد أخبر الله أن الكفار والمنافقين يسعون حثيثين في محاربة أهل الإسلام والسنة من المؤمنين، وأن لهم في ذلك مكرًا كبارًا، لكن الله سبحانه يُقابل مكرهم بمكره وهو خير الماكرين، ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾، وقد قال سبحانه: ﴿كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله﴾.

ولهذا الصراع حِكمٌ عظيمة، منها أن يتمايز أهل الحق عن أهل الباطل، قال الله عز وجل: ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾، ثم إن لهذا الصراع عاقبة حسنة، وهو أن يعز الله أهل الحق ويُقويهم ويرفعهم كما قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.

ومن هذا الصراع اجتهاد دول الكفر والرفض على محاربة دول أهل السنة، لاسيما دولة التوحيد والسنة (السعودية)-حرسها الله وقواها-، هذه الدولة التي منَّ الله بها على المسلمين في هذه القرون المتأخرة، فهي القائمة بالتوحيد والسنة، منذ نشأتها قبل ثلاثة قرون إلى اليوم، حكامها وعلماؤها يُكررون نداءاتهم وتصريحاتهم في أن دولتهم دولة عقيدة وسنية ثم أكدوا هذا بواقعهم فمن كان منصفًا وطالع مدارسها لأبنائها من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثالث الثانوي وجد أن مقرراتها تُدرس التوحيد والسنة بالتفصيل.

وهذا أمرٌ فقده المسلمون منذ قرون، حتى أصبح غريبًا بينهم، لكن الله اختصَّ هذه الدولة بهذا الفضل العظيم، ثم لم يقف الأمر على هذا، بل لا يوجد في هذه الدولة لا قبرٌ يُعبد ولا ضريح يُقصد ولا وليٌ يُدعى ويستغاث به من دون الله ولا منارات للسحرة والكهنة ولا زوايا للصوفية، بل لا يوجد بها إلا رايات للتوحيد والسنة مرفوعة منصورة ، ولا أعني بهذا أنه لا يوجد بها نقص، بل النقص موجود، لكن العاقل يُكمل البنيان الشاهق ويُصلحه ويُجمله، لا أن يجعل النقص سببًا لعدائها وانتقاصها وسوء الظن ، هذا لمن كان سنيًا غيورًا على دينه يُحب ويُبغض في الله، أما من كان رافضيًا أو من الجماعات الحزبية المناصرة للرفض كالإخوان المسلمين وأذنابهم فلا يُستغرب منهم طمس هذه الحقائق بل محاربتها، لكن الذي يُستغرب أن يُخدع العوام وأشباه العوام بالنداءات الفاسدة بحجج كاذبة أو صادقة لكن زيد فيها وأُنقص، أو هي حقيقية لكن لا يصح شرعًا ولا عقلًا أن تكون سببًا لإفساد هذا الخير العظيم ويكون حال هؤلاء على أحسن تقدير كمن يبني قصرًا ويهدم مصرًا.

أسأل الله أن يحفظها، وأن يحفظ ولاتنا ولاة التوحيد والسنة وعلماءنا علماء التوحيد والسنة، وأن يعز الدولة السعودية وجميع دول المسلمين بالتوحيد والسنة يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد عايشنا الاعتداء الأثيم والجرم المشين على معمل أرامكو ببقيق، وإن هذا الفعل الإجرامي لا يقبله عقل ولا دين، لكن حقد الكفار والرافضة على دولة التوحيد والسنة لا يستغرب منه شيء.

وإن علينا واجبًا عظيمًا تجاه هذا الاعتداء الأثيم، ويتلخص هذا الواجب في أمور، أذكر أهمها:

الواجب الأول: صدق الرجوع إلى الله، فإن الأمور كلها بيد الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا ناصر إلا الله، ولا مُعز إلا هو، قال سبحانه: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

وأعظم الرجوع إلى الله التمسك بالتوحيد بأن يُفرد الله بالعبادة فلا يُدعى ولا يُستغاث ولا يُطلب المدد والعون وتفريج الكربات إلا من الله، وأن يُترك الشرك كله كبيره وصغيره، فيُترك الرياء والحلف بغير الله، إلى غير ذلك من الشرك الأصغر الشائع بين المسلمين.

الواجب الثاني: إحسان الظن بالله، فلا أرحم ولا أكرم من الله الذي لا إله إلا هو، فهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، فلا يقضي إلا خيرًا، علمه من علمه وجهله من جهله، قال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾.

ومن كان مؤمنًا ومحسن الظن بربه فلا يزداد إلا طمأنينة وانشراح صدر وإحسان ظن بمولاه سبحانه، كما قال سبحانه: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقال سبحانه في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي».
فإذا كان كذلك فينبغي ألا يخاف المؤمن، بل يزداد في الأزمات تعلقًا بالله وإحسان ظن به.

الواجب الثالث: الالتفاف على ولاة أمرنا ولاة التوحيد والسنة، فإن الالتفاف حولهم وجمع الكلمة عليهم واجب في كل حين، فكيف في وقت الأزمات وتربص دول الرفض بدولة التوحيد، فلذا يجب الالتفاف حولهم والثقة بالله ثم بهم.

فيا لله، كم أعز الله بهم الدين،

وكم كانوا سببًا لتفريج كربات المسلمين،

وكم حاكَ ومكر بهم وبالمسلمين أعداء الدين فكانوا سببًا للنجاة من هذا المكر، بل وقلب الأمر على الكافرين، والأمثلة على هذا ليست خافية على كل منصف بل ويطول ذكرها. ومنذ أن أسس الملك عبد العزيز هذه الدولة على التوحيد والسنة وهذا الغرب الكافر يكيد بها أشد الكيد، لكن في كل أزمة تكون العاقبة عزًا للتوحيد والسنة ولدولة التوحيد والسنة (السعودية)، فيصدق في حقهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.

لذا الواجب الثقة بالله ثم بهم، فهم أهل توحيد بل أئمة التوحيد وأهل خبرة ومعرفة يتوارثون الحكم من قرون، وقد بيَّنت الأيام والأزمات حنكتهم ومعرفتهم مع صمت وحلم وقوة وعزيمة، أسأل الله أن يجزيهم عنا وعن المسلمين خيرًا، أسأل الله أن يجزي الملك عبد العزيز وأبناءه الملوك والملك سلمان وولي عهده خيرًا عنا وعن المسلمين.

الواجب الرابع: ترك التخرصات والتوهمات والاستماع لكل ناعق شرقًا أو غربًا، فما أكثر الذين يخوضون هذه الميادين بجهل وبغير معرفة، فيُشككون الناس ويُشغلونهم بما لا ينفعهم، فالواجب على العاقل أن يتقي الله وأن يعرف قدر نفسه، ورحم الله امرءً عرف قدر نفسه فينتهي ولا يخوض في أمثال هذه الأمور، لأنه مهما كان لن يكون كالولاة في معرفة الواقع، ثم لو قدر فليس في يده قرار، فلذا ترك هذه الأمور والخوض فيها هو مقتضى العقل إلا بخوض ينشر بين المسلمين الطمأنينة والسكينة ويجمعهم على ولاتهم، أما ما عدا ذلك فيجب الكف ويجب على المسلمين ألا يُلتفتوا إليه بل وأن يُضرب المسلمون عنه صفحًا مهما كان المتكلم.

الواجب الخامس: ألا يكون الرجل مذياعًا يتناقل كل شيء يسمعه، فينبغي أن نكون أهل تثبت، وألا ننقل ما لا ينفع، وصدق الله القائل: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.

وهذا في كل حين، ففي وقت الأزمات والفتن أوجب وأوجب.
الواجب السادس والأخير: إن في يدنا سلاحًا عظيمًا وهو أنفع سلاح، ويحاول الشيطان أن يُشغلنا عنه، وهو كثرة الدعاء بأن يعز الله دولة التوحيد والسنة وجميع دول المسلمين، وأن يكسر ويخذل دول الكفر والرفض ومن ناصرهما، فلنُكثر من الدعاء وندعو أن يُوفق الله ولاتنا بالخير وأن يُسددهم وأن يُبصرهم وأن يكون نصيرهم.

فلا أعظم من الدعاء، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، فمن كان صادقًا محبًا للخير فليُكثر الدعاء في كل وقت، لاسيما في أوقات إجابة الدعاء، فما أعظم أثر الدعاء، فكم كُشفت به من كربة وأُزيلت به من غمة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، الله أعز الإسلام والمسلمين، الله أعز الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بدول الكفر والرفض ومن ناصرهما يا رب العالمين، اللهم وفق ولاتنا ولاة التوحيد والسنة وكن نصيرهم يا رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

د.عبد العزيز بن ريس الريس
@dr_alraies
المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
20 / 1 / 1441هـ


شارك المحتوى: