بين قلبين

د. عبدالله بن عبدالقادر الكمالي

بين قلبين

خلق الله تعالى الإنسان وجعل فيه من المشاعر والأحاسيس الشيء الكثير، ويحرك هذه المشاعر والأحاسيس قطعة لحم صغيرة، ولكنها الأساس في الإنسان ألا وهي القلب. هذا العضو العجيب في بدن الإنسان، إن صلح كان حال الإنسان كذلك، وإن فسد فسيكون حال الإنسان فاسداً والعياذ بالله، فهو ملك الأعضاء وهي تبع له، وما في قلب الإنسان يظهر على جوارحه وأعضائه، لذلك كانت القلوب على أنواع، فشتان بين قلب مقبل على الله وطاعته، وبين قلب تنقل بين محارم الله، وشرق وغرب في معصيته، وهو مع ذلك امتلأ حقداً وحسداً وغلاً على الناس!
النموذج الأول امتلأ حباً لله وتعظيماً وخشية وإجلالاً لرب العالمين، فعرف أسماءه الحسنى وصفاته العلا وأفرده بالعبادة والذل والخضوع والخشية، فنرى البدن في تسارع وتسابق لنيل رضا الله، وهذا هو القلب الطاهر الذي ترسخ فيه حب الله وحب ما يوصله لله، ففي هذا القلب حب صادق بعد حب الله وحب نبيه صلى الله عليه وسلم للوالدين والزوجة والأبناء، فشعوره تجاه الجنس الآخر قد امتلأ طهراً وعفة وبعداً عما حرم الله، تطهر من الرجس والخبث والفجور، وابتعد عن الغش والخداع والإساءة للآخرين والتعرض لأعراضهم وبناتهم تحت ستائر حبائل الشيطان.
فما أجمل والله هذه القلوب التي أقبلت على علام الغيوب، فقد يكون هذا العضو أثقل من الجبال الشامخات لأنه امتلأ إيماناً وعفة وطهراً، فلا تجد فيه إلا وفاء الزوج لزوجته والعكس، فلا يقبل بالخيانة مهما صغرت، لأنها قبل كل شيء تغضب الله، ومن جميل صور الوفاء للزوجة ما قاله الإمام أحمد عن زوجته أم صالح: «أقامت أم صالح معي ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة».
ومن صور الوفاء أيضاً ما سطره الحافظ أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة 845 هـ عن زوجته «سفرى بنت عمر» في كتابه درر العقود الفريدة وقد ماتت في حياته: «واتفق أني كنت أكثر من الاستغفار لها بعد موتها فأريتها في بعض الليالي… فقلت لها وقد تذكرت أنها ميتة: يا أم محمد الذي أرسله إليك يصل؟ أعني استغفاري لها، فقالت: نعم يا سيدي، في كل يوم تصل هديتك إليّ، ثم بكت وقالت: قد علمت يا سيدي أني عاجزة عن مكافأتك، فقلت لها: لا عليك عما قليل نلتقي، وكانت غفر الله لها مع صغر سنها من خير نساء زمانها عفة وصيانة وديانة وثقة وأمانة ورزانة ما عوضت بعدها مثلها… جمعنا الله بها في جنته، وعمنا بعفوه ومغفرته» .. فانظروا إلى هذا الوفاء الجميل بين الزوجين.
وأما النموذج الثاني فهو قلب تبع الشهوات ووقع في المحرمات فهو يعاني من أمراض وأمراض نسأل الله العافية والسلامة، وهو أيضاً بعيد عن الله وعن المحبة الحقيقية له، قد تعلق بالصور والأجساد، فلا يفكر إلا بها، فامتلأ بحب المخلوق ونسي حب الخالق المعبود جل جلاله، والقلب إن خلا من حب مالك المُلك تعلق بغير الله، فهو من خيانة إلى أخرى ومن شقاء إلى آخر، وقد يكون هذا هو حال بعض الرجال والنساء فاللهم اهدهم، واملأ قلوبنا جميعاً بحبك وحب يقربنا لحبك.
a.kamali@alroeya.com


شارك المحتوى: