بدع الأئمة في رمضان

د. يوسف بن محمد السعيد

بدع الأئمة في رمضان

إن الحمد لله … أما بعد :

فاتقوا الله حق تقاته ، وتزودوا لآخرتكم فإن خير الزاد التقوى ، واعلموا رحمكم الله أن تلاوة كتاب الله من أجل العبادات وأفضل القربات ، وبخاصة في هذا الشهر الذي أنزل فيه وهو شهر رمضان{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

وقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يكثر من التلاوة في شهر ، وكان جبريل عليه السلام ينزِلُ من السماء ليدارسَه القرآنَ في هذا الشهر ، وفي العامِ الذي قبض فيه دارسه القرآنَ مرتين إيذانا بانتقاله إلى الرفيق الأعلى .

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة القرآن ومدارستِه ، فقد روى الترمذي وغيرُه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنةٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالها ، لا أقول : الم حرف ، ولكن ألفٌ حرفٌ ، ولام حرفٌ ، وميم حرفٌ » .

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتابَ الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينةُ ، وغشيتهم الرحمةُ ، وحفتهم الملائكة ُ، وذكرهم الله فيمن عنده » وينبغي لقاريء القرآن أن يخلص لله تعالى فيه ، فلا يجوزُ له أن يقرأ ليقال قاريء ، فإن فعل ذلك فهو واحدٌ من أول ثلاثةٍ تسعرُ بهم جهنم.

عباد الله : هذا الزمان خرج بعضُ الناس ـ وبخاصة بعض أئمة المساجد ـ عن القراءة المعهودة إلى قراءات بالألحان الموسيقية ، وخرجوا عن القراءة المرققة للقلوب إلى قراءة تقسيها ، وتنافس كثير منهم في العويل والصراخ المنكر زعما أنه خشوع ، ,انه دعوةٌ إلى الله ، وهذا لم يكن معروفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه ، فالنبيٌّ صلى الله عليه وسلم كان له أزيزٌ كأزيزِ المِرجل ، وأبو بكر كان له نشيجٌ يُسمع مِن وراءِ الصفوف ، لكن لم يكونوا يصرخون كما يفعله هؤلاء اليوم ، قدم رجل من العراق فنزل المدينة فأقاموه يصلي بالناس في رمضان ، فجعلوا يقولون لسالم بن عبد الله بن عمر : لو جئتَ ، فما زالوا به حتى جاء ليلة فسمع حتى دخل أو أراد أن يدخل فخرج وهو يقول : غناءٌ غناءٌ» ومثل هذا إذا لم يكن الإنسان مغلوبا عليه ، وإنما يفعله ليقال : فلان خاشع ، وليكثرَ المصلون خلفه ، وليمدحَ فمثلُ هذا قد يُبطل صلاتَه ، وينبغي للناس أن لا يكونوا فتنةً لهذا القاريء ، فالإمامُ أحمد رحمه الله صرف إماما صلى بهم لما رأى تزاحم الناس عنده ؛ خوفا عليهم وعليه ، وقد افتتن بهؤلاء المعاصرين خلق كثير ، وصاروا يتنافسون في الخروج على أغلفة المجلات والصحف متشبهين بالمطربين والمطربات ، وبعضهم يحاكي صوت فلان وفلان من الأئمة ، فيشغل نفسه بمحاكاته في صلاته ، وهذا لا يقبل به العقلاء ، فعلى من تشرف بإمامة الناس أن يتقي الله في نفسه وفيهم . فلن ينفعك حامد ، ولن يضرك شاتم ، ويوم القيامة تبلى السرائر .

بارك الله لي ولكم …

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } .

الحمد لله على إحسانه …

عباد الله : إن من الأمورِ التي أحدثها بعضُ أهلِ الزمان : أدعيةً مخترعةً متكلفةً يقنتون بها في صلاةِ التراويحِ ، وصاروا يتبارون فيها ، وكأن أدعيةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لا تروقُ لهم، فلهم أدعيةٌ مسجوعةٌ تمجُّها آذانُ العقلاءِ ، ويخشعُ عندها الجهالُ ونحوُهم ، سمع سعدُ بنُ أبي وقاص رضي الله عنه ابنا يدعو ويقولُ : «اللهم إني أسألك القصرَ الأبيضَ على يمين الجنة» فأنكر عليه وقال : «أي بني محدث» ، وأنكر بعضُ السلفِ على مَن سمعه يدعو ويقول : «اللهم إني أعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها»

عباد الله : إن هؤلاء الذين يتقدمون للصلاة بالناسِ من الجهالِ ينبغي أن يؤخذَ على أيديهم ، وأن يناصحوا ، وأن لا يعانَ الشيطانُ عليهم بمدحهم والثناء عليهم ؛ لأن البدع تنشأ شيئا فشيئا .

هذا وصلوا وسلموا …


شارك المحتوى: