بدعة ختم العام بالأعمال الصالحة

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

بدعية ختم العام بالأعمال الصالحة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}،

أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

إن رسولنا محمدًا –صلى الله عليه وسلم- لم يمت إلا وقد أدّى الرسالة، وبلّغ الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فقد أكمل الله به الدين، حتى نزل قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}، فإذا كان كذلك فإن كل زيادةٍ في الدين لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام فهي زيادة مردودة، وبدعة محدثة، وذنب عظيم مُغضب لله سبحانه وتعالى.

قال الإمام مالك –رحمه الله تعالى-: “من ابتدع في الدين بدعة، فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

وهذه قاعدة عظيمة ينبغي أن تستحضر دائمًا، وهو أن كل عبادة، وكل دينٍ لم يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام فهو بدعة مُغضبة لله، قال سبحانه: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.

وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، أي مردود غير مقبول.

وأخرج الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «وكل بدعة ضلالة».

وأخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- في قصة النفر الثلاث الذين جاؤوا إلى بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فكأنهم تقالّوها، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الثالث: أما أنا فأصوم ولا أفطر. فلما بلغ ذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- قام خطيبًا وحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ما بال أقوام … »، ثم ذكر خبر النفر الثلاثة، ثم قال –وانتبهوا إلى ما قال- : «أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له»، ومعنى هذا: أي تأكدوا أنني لن أترك عبادة ولا خيرًا يُقرب إلى الله إلا وسأدلكم عليه، فإن لم أفعل ذلك فليس خيرًا، وإياكم وأن يتقالّ أحدكم عبادتي، فيتقدم بين يدي بعبادة لم أتعبدها ولم أُرشد إليها.

قال: «أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له .. »، إلى أن قال في آخر الحديث: «فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وأخرج الخمسة إلا النسائي عن العرباض بن سارية –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة».

وروى ابن وضاح وابن خيثمة في كتابه (العلم) عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم».

وروى البيهقي في كتابه (المدخل) عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنه قال: “كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة”.

إذن إخوة الإيمان، الأدلة ظاهرة من كتاب الله وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ومن هدي سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، أن كل عبادة لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلا يصح لأحد أن يفعلها لأنها بدعة.

إذن كل أمرٍ ديني أُحدث لا يجوز أن يُفعل، بل فعله كبيرة وهو بدعة –عافاني الله وإياكم-، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، قال: دلت السنة والإجماع على أن المعاصي الشبهاتية –أي البدع- أشد إثمًا من المعاصي الشهوانية، -انتبه- أشد إثمًا من المعاصي الشهوانية، فكونوا حذرين ، وضعوا هذه القاعدة نصب أعينكم: كل عبادة، وكل دين، لم يفعله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام، ففعله بدعة، وكبيرة من كبائر الذنوب، وهذا بخلاف أمور الدنيا، فإن الأصل فيها الإباحة، فاتخاذ المكيفات أو السيارات، أو الطائرات، أو غير ذلك، مباح؛ لأن الأصل في أمور الدنيا والمعاملات الإباحة، بخلاف الأصل في أمور العبادات.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم أحينا على السنن، وأعذنا يا ربنا من البدع، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك يا رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن هناك بدعًا كثيرة شاعت بين المسلمين، ويرجع ذلك إلى سبب رئيس مهم، وهو الجهل ؛ وذلك أن بعضهم يقلد بعضًا، أو ينشأ الرجل في مجتمع فيه بدع، فيستسهل هذه البدع.

ومن أسباب انتشار البدع الاستحسان، يستحسن الرجل شيئًا بذوقه، أو بعقله، ثم يُبادر إلى هذه العبادة، فإذا سئل لم تفعل هذه العبادة التي لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام؟ قال: إنها خير.

فيقال: يا لله العجب، أي خيرٍ ديني لم يفعله محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام؟

روى ابن وضاح والدارمي أن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- دخل المسجد، فرأى الناس حِلقًا، يقول أحدهم في كل حلقة: كبروا الله مائة، هللوا الله مائة، احمدوا الله مائة، فيُكبرون ويحمدون ويعدون ذلك بالحصى، فلما رأى هذا عبد الله بن مسعود استنكره غاية الاستنكار، وقال –واسمعوا إلى ما قال-: “هذه آنية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم تُكسر-أي أن العهد به قريب- وثيابه لم تبل، وأصحابه متوافرون، أأنتم سابقون إلى خير لم يسبق إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؟ أم أنكم مفتتحو باب ضلالة؟

القسمة ثنائية لا ثالث لها، إما أنكم على خير لم يعرفه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أم أنكم مفتتحو باب ضلالة.

قالوا: يا أبا عبد الرحمن، والله ما أردنا إلا الخير، قال –رضي الله عنه-: “كم من مريد للخير لن يصيبه”.

لا تكفي النية الحسنة، بل لابد مع النية الحسنة من عمل حسن، فلا يكفي أنك تريد خيرًا بنيتك وعاطفتك، بل لابد أن تكون متابعًا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

إخوة الإيمان، إذا عرفنا هذا عرفنا أن كل إحداث في الدين محرم بل بدعة وكبيرة من كبائر الذنوب، وأراد الشيطان أن يُلبس على هذا الأصل العظيم، فأحدث للناس شيئًا خطيرًا بمكره وخديعته سماه (بدعة حسنة)، فإذا أنكر على أحدهم وقوعه في بدعة ، قال معتذرًا: بدعة حسنة، نعم لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام لكنها بدعة حسنة.

يا إخوتاه! أي حُسن في عبادة لم يفعلها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولا صحابته الكرام؟ لذا قال ابن عمر فيما تقدم: “كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة”.

وإن هناك بدعًا كثيرة شاعت وانتشرت بين المسلمين، ومن تلكم البدع الاحتفال بمولد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، بأبي وأمي –صلى الله عليه وسلم-، يجب أن نقدم محبته على نفوسنا وعلى أزواجنا وأولادنا، لكن لا يجوز أن نتعبّد الله بالاحتفال بمولده –صلى الله عليه وسلم- وهو لم يفعل ذلك ولا صحابته الكرام، ولا التابعون لهم بإحسان، بل أول من فعل ذلك الرافضة الذين يكفرون أبا بكر وعمر ويتهمون عائشة بالزنا –عافاني الله وإياكم-.

ومن البدع الشائعة بين المسلمين، الدعاء الجماعي بعد الفريضة، أو إهداء الفاتحة إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أو قول: “جمعة مباركة” في يوم الجمعة، بأن يُرسل بعضهم إلى بعض رسالة يقول فيها: “جمعة مباركة”، أو إذا انتهوا من الصلاة يسلم بعضهم على بعض ويقولون: “تقبل الله”، أو يقول أحدهم: “حرمًا”، ويقول الثاني: “جمعًا”، أو إذا تثاءب أحدهم يقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، أو إذا تجشّأ قال: “الحمد لله”، ..إلى غير ذلك من البدع الكثيرة التي يجب أن ننكرها ، وأن نحذر الناس منها.

ومن البدع التي اعتدنا أن يُحييها الشيطان في أواخر السنة الهجرية، ويبدأ بعض المسلمين في الدعوة إليها وهي بدعة ختم العام الهجري بعمل صالح، تأتي رسائل بالجوال أو بالواتساب أو بغير ذلك: اختم السنة الهجرية بعمل صالح، باستغفار أو بصيام، أو بصدقة، ..إلى غير ذلك.

يقولون: حتى تُختم صحيفة العام بعمل صالح.

وهذا خطأ ومُنكر شرعًا من أوجه:

– الوجه الأولأن هذا لو كان خيرًا لسبقنا إلى ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.

أين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي –رضي الله عنهم- عن مثل هذا لو كان خيرًا؟ أين العشرة؟ أين المهاجرون والأنصار؟ أين الصحابة الكرام؟ أين التابعون لهم بإحسان عن مثل هذا لو كان خيرًا؟

تالله ووالله وبالله، لو كان خيرًا لكانوا أسبق الناس في الدعوة إليه، فلما لم يفعلوا هذا دل على أنه منكر وخطأ شرعًا، وإلا لسبقونا إلى فعله.

– الوجه الثاني: من قال بأن صحيفة العام تُختم في نهاية العام الهجري وذلك أن الذي أرّخ التاريخ الهجري هو عمر –رضي الله عنه-، فلم يقل أحد من أهل العلم أن صحيفة العام تُختم في نهاية التاريخ الهجري، وإنما هذا تاريخ أرّخه عمر –رضي الله عنه- لضبط الأيام وغير ذلك، لا لأن صحيفة العام تُختم في هذا التاريخ، بل ذهب العلماء إلى أن صحيفة العام تُختم في ليلة القدر على أحد القولين، وهو الذي اختاره الإمام ابن القيم في كتابه (شفاء العليل)، قال سبحانه: {فيها يُفرق كل أمر حكيم . أمرًا من عندنا}.

فمن قال بأن صحيفة العام تُختم في نهاية العام الهجري حتى يُبنى على ذلك هذه البدعة وهي بدعة ختم العام الهجري بعمل صالح.

إخوة الإيمان ينبغي أن نكون حذرين من البدع وألا نستسهلها، فإن الأمر يبدأ صغيرًا ثم يكون كبيرًا، فمن الناس من يحتفل بنهاية العام الهجري، أو بغيره كيوم الإسراء والمعراج أو غير ذلك، وكل هذه من البدع –عافاني الله وإياكم-.

إن ذنب البدع عظيم، بل هو كبيرة من كبائر الذنوب، وهو مسخط لجبار السماوات والأرض، واعلموا أن من أجل الأعمال وأزكاها أن تلقى الله سالمًا من البدع.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم يا رحمن يا رحيم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا مجيب الدعوات، ومحقق الرغبات، يا من لا إله إلا أنت، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، اللهم اجعلنا نلقاك راضيًا عنا، اللهم أعذنا من البدع، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أحينا على السنن، اللهم أحينا على السنن، وأمتنا عليها يا رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

 


شارك المحتوى: