الملك عبدالعزيز ونظرة ثاقبة إلى الجمود

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

الملك عبدالعزيز ونظرة ثاقبة إلى الجمود

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق / عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام

كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله رحمة واسعة- صادقاً مع نفسه، وما عاهد الله عليه من التمسك بالمنهج الإلهي، والدستور السماوي القرآن الكريم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريق السلف الصالح من الصحابة والتابعين بلا تأويل أو ابتداع أو تغيير.
كان -رحمه الله- أول ما نادى به: إخلاص التوحيد لله وتخليصه مما علق به من شائبة، وجعله لله وحده، فلا يشرك به، منفرداً بالعبادة والقصد.
وهذا هو الأساس المتين الذي يجتمع عليه المسلمون حتى يثبت الإيمان ويرسخ في الصدور، وبعده يهون كل شيء.
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
وما ترك -رحمه الله- مناسبة ولا اجتماعاً دون أن يذكر الناس بالتوحيد الخالص لله، فهو يعرف أن التوحيد إذا علق به شيء ضعفت النفوس، وأصبح من السهل أن تنقاد لغير الله.
قال -رحمه الله- من خطبة ألقاها بمكة في ذي الحجة سنة 1347هـ: (هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه، هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب).
وقال -رحمه الله- في خطبة أخرى:
(إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هم بالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة).
ومن خطبة ألقاها بمكة بمناسبة سفره إلى المنطقة الوسطى من المملكة في محرم سنة 1348هـ: (وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في القلوب، والإيمان الذي في الصدور، ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب.. بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا، ولم نتخذ التوحيد آلة لقضاء مآرب شخصية أو لجر مغنم، وإنما تمسكنا به عن عقيدة وإيمان قوي، ولنجعل كلمة الله هي العليا).
ولم يقتصر -رحمه الله- على مجتمعه هو فحسب في التأكيد على التمسك بالكتاب والسنة بل يوجه نداءه لعامة المسلمين في أرجاء المعمورة فيقول: (إن المسلمين بخير إذا اتفقوا، وعملوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. ليتقدم المسلمون للعمل بذلك، فيتفقوا فيما بينهم على العمل بكتاب الله وسنة نبيه، وبما جاء فيهما، والدعوة إلى التوحيد الخالص، فإنني -حينذاك- أتقدم إليهم، فأسير وإياهم جنباً إلى جنب في كل عمل يعملونه، وفي كل حركة يقومون بها.. والله إني لا أحب الملك وأبهته، ولا أبغى إلا مرضاة الله، والدعوة إلى التوحيد.. ليتعاهد المسلمون فيما بينهم على التمسك بذلك، وليتفقوا، فإني أسير وقتئذ معهم، لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير، بل بصفة خادم.. أسير معهم أنا وأسرتي، وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد، وهو خير الشاهدين).
وفي موضع آخر يقرر -رحمه الله- أن نصرة التوحيد هي هدفه وغايته ومنيته وإن تمت على يد أعدائه فيقول: (إني أجاهد لإعلاء كلمة التوحيد، وأحب أن أراها قائمة، ولو على يد أعدائي، وإن تمت على يدي فذلك من فضل الله).
ويدعو -رحمه الله- إلى عدم الجمود بل العمل على مسايرة الدول الراقية المتقدمة مع التمسك بدين الله تعالى فيقول: (وإن خطتي التي سرت عليها هي إقامة الشريعة السمحاء، كما أنني أرى من واجبي ترقية الجزيرة العربية، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة، مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف).
ويرد على دعاة الاستغراب من أبناء الأمة الإسلامية والذين يرون أن المدنية والحضارة والرقي تعني الأخذ بكل ما لدى الغرب والخروج على تعاليم الدين الإسلامي الحينف فيفند -رحمه الله- مزاعمهم ويبطل دعاواهم فيقول: (يقول كثير من المسلمين: يجب أن نتقدم في مضمار المدنية والحضارة، وإنَّ تأخرنا ناشئ عن عدم سيرنا في هذا الطريق). وهذا ادعاء باطل، فالإسلام قد أمرنا بأخذ ما يفيدنا ويقوينا، على شرط ألا يفسد علينا عقائدنا وشيمنا، فإذا أردنا التقدم يجب أن نتبع الإسلام، وإلا كان الشر في اتباع غيره).
فكانت سياسته -رحمه الله- تقوم على التمسك بالثوابت، أعني تحكيم كتاب الله تعالى والعمل بالسنة المطهرة وبذل الأسباب بالأخذ في أسباب المدنية والحضارة والرقي بمجتمعه بل بالجزيرة لتكون في مصاف الدول المتقدمة فهو يحارب الجمود ويشنع بالذين يرون أن التقدم والحضارة إنما تكون بالتقليد الأعمى للمجتمع الغربي والانسلاخ من تعاليم الإسلام والتجرد من الهوية الإسلامية والدعوة إلى فتح الباب أمام كل فكر مقيت أو خلق سافل.
فرحم الله الملك عبدالعزيز وغفر له وأسكنه فسيح جناته ورزق ذريته الحكمة وأرشدهم إلى ما فيه خيرهم وخير مجتمعهم وخير أمتهم إنه سميع الدعاء.

جريدة الجزيرة – العدد 11486 – الاربعاء 19 محرم 1425.


شارك المحتوى: