الملك عبدالعزيز.. تحقيق دعوة وبناء دولة

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

الملك عبدالعزيز.. تحقيق دعوة وبناء دولة

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية يجسد ذكرى رجل بألف رجل داعية توحيد ومؤسس كيان وباني نهضة وموحد أمة فالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل – رحمه الله – حينما عزم على إعادة ملك آبائه ومجد أسلافه ليست غايته تتويج نفسه وتتويج الجماهير والشعوب له ملكاً فحسب بل غايته الرئيسة وهدفه الأول والأسمى عقد عهد وميثاق رباني لتجديد التوحيد الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم فقد عاهد ربه على أن يكون الحكم في ملكه قائماً على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله وسنة رسوله قائما على توحيد الخالق جل وعلا عبادة وتنفيذ أحكامه وشعائر دينه شريعة ومعاملة وأخلاقاً.
وكما تجسدت ذكرى هذا الإمام في دعوة الناس بقوة السلطان لتوحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وتحكيم كتاب الله تعالى وسنة رسوله وترسيخ مفاهيم شعائر الإسلام وثوابته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد تجسدت ذكراه رحمه الله في توحيد جزيرة العرب على قلب رجل واحد فجمع الكلمة بعد الفرقة ووحد الرأي بعد الشتات ولم الشمل بعد الخلاف فحقق – رحمه الله – الأمن لهذا الوطن بأعلى مستوياته حتى استحق وطنه أن يكون مضرب المثل في العالم بأسره في الأمن والاستقرار والطمأنينة بعد أن كان الناس قبل عهده غير آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم طرفة عين.

لقد تجسدت ذكرى هذا الإمام ببناء وطن بعد أن لم يكن شيئاً فقد وضع أسس دولة وأقام أركانها وبناء نهضتها لتباهي كبريات دول العالم حضارة ورقياً وثقافة وتعليماً.

وتجسدت ذكراه في النمو العمراني الذي شهدته البلاد خلال مائة عام لتنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة عمرانياً بما يعني هذا النمو وتلكم النهضة.

وتجسدت ذكراه – رحمه الله – في تحقيق أعلى نسبة معيشية لرعيته ووطنه لتنقلب المعادلة فبدلاً من أن يجوب سكان الجزيرة أقطار العالم بحثاً عن لقمة العيش قبل عهده – رحمه الله – تتداعى إلى هذا الوطن المعطاء أمم الأرض بأسرها في عهده وعهد أبنائه البررة سداً لرمق الجوع وبحثاً عن لقمة العيش وأصبح هذا الوطن “يأتيه رزقه رغداً من كل مكان” لينعم مواطنوه بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.

وتجسدت ذكرى هذا الإمام وأبنائه الكرام في تحقيق الوحدة للأمة الإسلامية فالمؤسس – رحمه الله – وأبناؤه من بعده أول من دعا لتضامن الأمة الإسلامية واجتماع كلمتها وهكذا عمل أبناؤه من بعده على تأكيد هذه الوحدة من خلال استثمار موسم الحج والمؤتمرات الأخرى لتتوحد قلوب المسلمين وتجمع كلمتهم.

وتجسدت ذكراه – رحمه الله – وأبناؤه الكرام في خدمة بيوت الله تعالى عمارة حسية ومعنوية بدءاً بالحرمين الشريفين حتى تنافس أبناؤه على قلب خادم الحرمين متشرفين بهذا اللقب العظيم ومتسابقين إلى عمارة الحرمين وتوسعتهما بما لم يعهد في تاريخ المسلمين كما تنافسوا وفقهم الله لكل خير ببناء المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء المعمورة حتى لم يبق دولة مسلمة أو غير مسلمة إلا غزيت في عقر دارها بمسجد أو مركز إسلامي أو معلم ثقافي أو غيره.

اليوم الوطني يعني لهذا المجتمع رعاة ورعاية دعوة ودولة دعوة دينية سامية لتحقيق كل مفاهيم الوحدة عقدياً وأخلاقياً ومحبة وإخاءً وولاءً على منهاج سلف الأمة الطاهرين كما يعني تأسيس دولة مسلمة تجاوزت المائة سنة في عمرها وكلما تقدم بها السن ازدادت شباباً وحيوية ونهضة ونشاطاً ورقياً وثقافة ونماء لتقف وبكل معاني التحدي في مصاف الدولة العظمى والتي أمضت قروناً متتالية لتصل إلى ما وصلت إليه هذه الدولة.

إذاً والحال هذه فإن من واجبنا نحو وطن قدم لنا الكثير والكثير قدم لنا الكثير في تيسير المعيشة وقدم لنا الكثير في الرعاية الصحية وقدم لنا الكثير في تعليمنا مجاناً بل تشجيعنا على التعليم بصرف مكافآت مالية بما ليس معهوداً في أي دولة غير هذه الدولة حتى حصلنا على أعلى المؤهلات والمستويات التعليمية وقدم لنا الكثير في توفير الأمن والاستقرار لنا في الداخل والخارج حتى نمنا قريري العين مرتاحي البال وغيرنا من حولنا تتخطفهم الطير وينامون على أًصوات القذائف والمدافع والرشاشات.

واجبنا أن نساهم في ترسيخ مفهوم اللحمة والتلاحم بين المواطن والمسؤول وترسيخ مفهوم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم بالالتفاف حول ولاة أمرنا والولاء لهم ومحبتهم ومؤازرتهم تحقيقاً للنصوص من الكتاب والسنة.

واجبنا جميعاً دون استثناء أن ننبذ ونحارب وبشدة وحزم كل من أراد اختراق صفوفنا ليزرع ألغاماً حاقدة يفجرها متى شاء وكيفما شاء تدمر بنيتنا التحتية وتنقلنا لنكون أفقر من على وجه البسيطة وتحيلنا إلى مجتمع متخلف بل تعيدنا إلى الوراء مئات السنوات وهذا لا شك ولا ريب من رد جميل الوطن علينا والوفاء له كما وفى لنا فالوفاء من خلق المروءة ومن شيم الكرام والخيانة والتمرد والخروج على ولي الأمر من شيم اللئام.

والله من وراء القصد.

الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

جريدة الرياض – الأحد 11 رمضان 1428هـ – 23 سبتمبر 2007م – العدد 14335.


شارك المحتوى: