المدرسة المتطرفة توجهاتها وأهدافها

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

المدرسة المتطرفة توجهاتها وأهدافها

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

في خضم الأحداث الجارية والتفجيرات العالمية الجديدة والعمليات الانتحارية اليومية والمتزايدة وعمليات الاختطاف والاغتيالات المتكررة يدرك كل عاقل سوي. أن ما يعيشه العالم بأجمعه اليوم من تفجير وعمليات انتحارية هو نتاج فكر متطرف بدأ مؤسسوه وقادته بالعمل الدؤوب والتفكير الجاد بالثورة العارمة على العالم هذا الفكر الذي قرر منذ تأسيسه تفجير العالم بأجمعه بدءاً بالمسلمين وحكامهم ذلك أن كل من على الأرض من المسلمين يستحقون الإبادة لأنهم مرتدون وكفار وعملاء للكفار في فكر هذه الجماعة ولا يوجد على وجه الأرض مسلم سواهم هم فقط والبقية يعيشون في جاهلية جهلاء وضلال عظيم وكفر ككفر فرعون وهامان.
وتمضي السنون ويتخرج من هذه المدرسة المتطرفة مئات الألوف من أبناء العالم الإسلامي وبجميع الجنسيات ولكن بثقافات جديدة وبتخطيط فريد وبدهاء لم يسطر له التاريخ مثيلاً فينفذون وصية أحد أئمتهم مؤسسي هذا الفكر ببناء القاعدة لتتولى القيادة الكبرى وتكون المركز في التوجيه وإصدار القرارات التفجيرية الدموية وفي الثورة على العالم بصفة عامة وحكام المسلمين بصفة خاصة فتبدأ التدمير وفي الكرة الأرضية قاطبة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وها هو شاهد جديد على شؤم الفكر الدموي التفجيري بالتباهي بمواصلة الإساءة والمسلمين وزرع الحقد في قلوب الآخرين بتفجيرات جديدة تشهدها أكبر عاصمة أوروبية ويذهب ضحيتها عدد كبير من الأبرياء والآمنين وقد يكون منهم مسلمون وغيرهم. ولنترقب ردة فعل تلكم الدولة الكبرى لا يخالجني شك أن ردة الفعل لن تقل عن ردة فعل أمريكا في قصة تفجير برجي التجارة العالمية إذ كانت ردة الفعل برجين = دولتين إسلاميتين أضف إلى ذلك ما تحمله هذه التصرفات الرعناء من مزيد تشويه للإسلام لدى جميع من لا يدين بالإسلام والإسلام الذي جاء به محمد صل يالله عليه وسلم بريء كل البراءة من مثل هذه الحماقة والرعونة والسفه.

وما تشهده بلاد الرافدين اليوم من عمليات انتحارية متواصلة ذهب ضحيتها آلاف الأبرياء من العراقيين وغيرهم وما تشهده العراق من عمليات اختطاف واغتيالات متكررة دليل آخر على رعونة هذا الفكر وخطورته وشؤمه على الأمة الإسلامية جمعاء.

أغرب ما يستغرب لدى ورثة هذا الفكر التلون السريع وبكل الألوان والعمل بقاعدة الغاية تبرر الوسيلة فالغاية هي الوصول للحكم وبأيسر الطرق والوسيلة هي تكفير الحكام والثورة عليهم تماماً كما أوصى أحد مؤسسي فكرهم الشاهد على صدق ما أقوله التاريخ والواقع والعالم بأجمعه وإليك أخي القارئ ما يثير عجبك في تناقضات حملة هذا الفكر:

1 – يقوم فكر هذا التنظيم على تكفير الحكام وتضليلهم بل تكفير البشرية جمعاء وإليك أخي القارئ الأدلة من مصنفاتهم. يقول أحد قادتهم: (يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله ولكنها تدخل في هذا الإطار أنها لا تدين بالعبودية له وحده في نظام حياتها… فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها.. موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة وأن يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها).

ويقول أيضاً: (ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله).

وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {واجعلوا بيوتكم قبلة} بعد أن بينا فيما سبق دخول مسلمي العصر في إطار المجتمع الجاهلي يقول: (وهنا يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية – مساجدها – واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي).

وقال أيضاً: (إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها ولا تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت في جاهلية).

وقال: (إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي).

2 – الكذب سجية من سجايا المنتمين إلى هذا الفكر والكذب الإخبار بخلاف الواقع والكذب كما أخبر البشير النذير يهدي إلى الفجور هذه السجية أعني الكذب مستهجنة وممقوتة في دين أبي جهل وأبي لهب وفي دين أتباع هذا الفكر مستحبة ومندوبة أما قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} فالخطاب في هذه الآية موجه للمؤمنين والمؤمن لا يكذب بخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام (أيزني المؤمن؟ قال: يزني، أيسرق المؤمن، قال: يسرق، أيكذب المؤمن؟ قال: لا وليس قوله يزني ويسرق إباحة للزنا والسرقة ولكنه إخبار منه عليه السلام إن المؤمن قد يرتكب مثل هذه الكبيرة.

3 – من ألد أعدائهم العلمانية والعلمانيون ظاهراً ومفهوم العلمانية هي الفصل بين الدين والدولة، يعني من يريد الدين فليذهب إلى أماكنه ومؤسساته، ومن يريد الفسق والسكر فأماكنها مفتوحة ولا شك أن من يعتقد حل ما حرمه الله ورسوله فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا أقيم عليه حد الردة، ومن لا يعتقد تحليل الحرام وإباحته وتحريم الحلال فليس بكافر وإن دعا إلى هذه المنكرات غير معتقد حلها ولكنها مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ومن يظهر الإسلام ويبطن الكفر والكيد للإسلام فهذا منافق جاء وصفه في القرآن والسنه وبين الدين الحنيف أسلوب التعامل معه ومصيره إن مات على نفاقه يوم القيامة الدرك الأسفل من النار كما أخبر الله تعالى في كتابه الحكيم وتجديد الألقاب مما لم يرد في الكتاب والسنّة ولم يبينه سلف هذه الأمة من القرون المفضلة فلا حاجة لنا فحسبنا فرقة وتشيعاً ولا أعتقد أن وجود وانتشار ما يسمونه بالعلمانية تارة واللبرالية تارة أخرى في مجتمعنا خاصة لأنه مجتمع نشأ وترعرع على سلامة الفطرة والعقيدة والتعلّق بالصلاة والمحافظة عليها، ومن فعل ذلك ظاهراً فهو عندنا براء ظاهراً وباطناً حتى يثبت خلاف ذلك وإن وجد قلة لديهم شيء من هذا الفكر فهم لا يمثلون ظاهرة ويدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالحسنى.

أقول من مثالب فكر هذا التنظيم المشئوم المنحرف الخطير العداء الظاهر للعلمانية والعلمانيين وفي الباطن ومن أجل مصلحة التنظيم لا حرج في التنازل وإلى مستوى تقبيل الأيدي والأقدام والشاهد لدى بعض القنوات الفضائية والمؤتمرات وغيرها!

إن من المؤسف والمؤسف جداً الجهل المركَّب لدى كثير من أبناء المجتمعات وعلى جميع المستويات حكام ومحكومين بخطورة هذه الجماعة وخطورة فكرها ليس فقط بخطورتها على مجتمع دون مجتمع آخر بل على العالم ودليلنا على هذا الجهل استطاعة قادة الفكر المنتمين لهذه الجماعة الوصول وفي عدد من أقطار العالم إلى رأس الهرم أو قريباً منه وقد وصل الحال ببعض القادة في العالم إلى الخوف منهم كما يخاف رؤساء أمريكا من الصهيونية العالمية، حيث بلغت بهم الجرأة إلى تهديد كل من يقف حجر عثرة في تحقيق أهدافهم ومن يتجرأ على تجريح مؤسسي هذه الجماعة يجد التعنيف واللوم والسب والشتم والتضليل والتصنيف ويحتاج لمواجهة الكم الهائل من البشر وعلى جميع المستويات إلى صبر أولي العزم من الرسل.

هذه القاعدة تزعم أنها تعمل على نصرة الإسلام بإحياء الجهاد في سبيل الله تعالى وفي الحقيقة أنها تعمل للقضاء على الإسلام والحد من انتشاره ومن هنا يفهم أن قادة القاعدة عملاء لدول الكفر فهم كما كانوا عملاء لهم في إسقاط الروس ودحرهم من أفغانستان لا يزالون عملاء لدحر الإسلام والقضاء على منابعه ومصادره والشاهد الواقع وهذا أكبر دليل على شؤم هذه القاعدة وبالغ خطرها على الأمة أفراداً وجماعات.

إن المؤسف أيضاً كل المؤسف أن في رعونة وتعسف وتطرف هذا فكر القاعدة ومن قعدها ليست خسارة جسدية أو مادية إنما هي خسارة دين ومصداقية، فالنظرة العالمية اليوم إلى الإسلام تختلف عنها قبل سنوات وقبل أن تشتعل فتيل قنابل الفكر وتفجيراته واختطافاته وتدميراته على مستوى العالم وتحت شعار الإسلام وهذا العنف هو الذي غير نظرة العالم للإسلام فحسبهم الله ونعم الوكيل.

إن الحكمة ضالة المؤمن واليوم وقد ابتلينا بانتشار هذا الفكر في أوساط بعض مثقفينا بل وغالب شرائح مجتمعاتنا فلا بد من العمل الدؤوب والمخلص في محاضرة هذا الفكر والحذر من وسائل وأساليب انتشاره وتلقينه لفلذات الأكباد.

وفق الله الجميع للعمل بالكتاب والسنة ورزق الجميع الإخلاص والصواب قولاً وعملاً.

جريدة الرياض – الخميس 22 جمادى الآخرة 1426هـ – 28 يوليو 2005م – العدد 13548.


شارك المحتوى: