المختصر في أحكام المسح على الخفين


الحمد لله فاطر السموات والأرض ،

الحمد لله الذي يسر دينه، وأراد بنا اليسر، والصلاة والسلام على رسول الله الذي قال: يسرا ولا تعسرا

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بُعثت بالحنيفية السمحة»، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: الحنيفية أي في التوحيد، والسمحة: أي في الأحكام.

ومن سماحة شريعة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- أن الشريعة أجازت المسح على الخفين والجوربين، وتكاثرت الأحاديث في بيان جواز المسح على الخفين، قال الحسن البصري: روى المسح على الخفين سبعون نفسًا.

وقال الإمام أحمد: فقد رُوي فيه أربعون حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

والخفان هما ما كان من الجلد، أما الجوربان ما كان من غير الجلد، وما يُسمى شرابًا في زمننا هذا فإنه من الجوارب.

ومن الأدلة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين»، ثم مسح عليهما -صلى الله عليه وسلم-.

أما المسح على الجوارب فقد ثبت عن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن عبد الله بن مسعود الهذلي، وعن أبي مسعود البدري، وعن أنس بن مالك الأنصاري، وليس بين الصحابة خلاف في ذلك -رضي الله عنهم-كما قاله ابن تيمية.

وإن مما ينبغي أن يُعلم أنه يتعلق بالمسح على الخفين والجوربين أحكام، أذكر ما تيسر منها مختصرًا:

أولًا / شروط المسح على الخفين والجوربين أربعة:

  • الشرط الأول: أن يكونا ملبوسين على طهارة ماء، بمعنى: ليس لأحد أن يمسح على الخف أو الجورب إلا وأن يكون قد لبسهما على طهارة ماء، أي بعد وضوء أو غسل جنابة، فإنه إذا فعل ذلك فإن له أن يمسح على الخفين أو الجوربين لما تقدم من حديث المغيرة بن شعبة لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين».
  • الشرط الثاني: أن يكونا غير نجسين، فإنهما إذا كانا نجسين كأن يكونا من جلد غير مأكول اللحم كجلد ثعبان لم يصح المسح عليهما، وعلى هذا المذاهب الأربعة، وعليه توارد كلام العلماء.
  • الشرط الثالث: ألا يكونا متنجِّسين، أي ألا تتعلق بهما نجاسة، فقد تتعلق بالخف نجاسة من بول أو غير ه، فلا يمسح عليه.
  • الشرط الرابع: ألا يكون خفيفًا يُرى ما وراءه، فقد حكى جمع من أهل العلم الإجماع على عدم جواز المسح على الخف إذا كان خفيفًا يُرى ما وراءه، وممن حكى الإجماع على ذلك الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع)، والمنصوري كما نقله ابن القطان وأقره.

وضابط الخفيف: أن يُرى ما وراءه من لون الجلد.

فهذه شروط أربعة لمن أراد المسح على الخفين.

ثانيًا/ يجوز المسح على الخف إذا كان مخرقًا على أصح أقوال أهل العلم قال الإمام سفيان الثوري -رحمه الله تعالى-: وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة؟

ثالثًا/ للمسح على الخفين مدة، فإذا كان الرجل مقيمًا فإن له أن يمسح على خفه يومًا وليلة، يعني أربعًا وعشرين ساعة، وإذا كان مسافرًا فله أن يمسح على الخف ثلاثة أيام ولياليهن، يعني اثنتين وسبعين ساعة.

أخرج مسلم من حديث علي -رضي الله عنه- قال: جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، يعني في المسح على الخفين.

رابعًا/ تبتدئ مدة المسح من أول مسحة بعد حدث، وذلك أن الشريعة علقت الأمر على مسح الخفين، فلو قدر أن رجلًا توضأ ثم لبس خفه ثم صلى الظهر، وقبيل العصر في الساعة الثانية والنصف أحدث ثم توضأ لصلاة العصر ومسح على خفه، فإن له أن يمسح إلى الغد الساعة الثانية والنصف، أي له مدة أربع وعشرين ساعة إذا كان مقيمًا.

أما ما شاع عند بعضهم أنه يمسح لمدة خمس صلوات فهذا لا دليل عليه.

خامسًا/ قد يلبس الرجل جوربًا -أي شرابًا- أو خفًا ثم يريد أن يلبس خفًا فوقه، فله أن يمسح على الفوقاني بشرط أن يلبس الفوقاني على طهارة ولو على طاهرة مسح، فإذا لبسه على طهارة فله أن يمسح عليه، أما إذا لبسه على حدث فلا يمسح عليه حتى يتطهر ولو بمسحه على التحتاني ثم يلبس عليه الفوقاني.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو، أسأل الله الرحمن الرحيم، أسأل الله ذا المن الفضل، أن يعلمني وإياكم ما ينفعنا، اللهم علمنا ما ينفعنا، اللهم فقهنا في ديننا، اللهم ارزقنا علمًا وعملًا بعلمنا يا أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإكمالًا لأحكام المسح على الخفين والجوربين

سادسَا/ أن كل ما يسمى مسحًا على الخف فإنه يُعد مسحًا، كما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، ولا يلزم أن يُعمم أعلى الخف، ؛ لأن الشريعة جاءت بالمسح على الخفين مطلقًا ؛ ولأن طهارته مخففة.

 

سابعًا/ يجب خلع الخف لمن وقع في الحدث الأكبر كالجنابة؛ لأنه مُبطل للمسح على الخفين بدلالة السنة والإجماع.

أخرج الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم.

أي بخلاف الجنابة، فإنه مُبطل للمسح على الخفين.

إخوة الإيمان، هذا شيء قليل من أحكام المسح على الخفين التي نحتاج إليها في السنة كلها، لاسيما عند اشتداد البرد.

أيها المسلمون، إن تعلم العلم الشرعي مهم للغاية، والعلم الشرعي من حيث الجملة نوعان:

النوع الأول: فرض ، ومنه ما يحتاج إليه كل مسلم، من الاعتقاد الصحيح في الله، و التوحيد وأحكام الصلاة والطهارة، إلى غير ذلك ،ومنه ما يحتاج إليه بعض المسلمين دون بعض بحسب حاجتهم كالتاجر يلزمه تعلم أحكام البيع والشراء دون غيره وهكذا…

النوع الثاني: مستحب.

وكلا هذين العلمين سواء كان الواجب أو المستحب، محبوبان إلى الله، وهما من العمل الصالح، ولعلم النافع، فقد أخرج مسلم عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع».

فطلب العلم النافع من خير العبادات وأجلها وأحبها إلى الله، قال سبحانه : ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، وقال سبحانه: ﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].

وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، وأخرج البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من يرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين».

هذا في العلم النافع، الذي يحبه الله الذي هو العلم الشرعي.

ومما يتعجب له أن ترى أقوامًا يُشار إليهم بالبنان، قد اشتغلوا بغير العلم النافع، من تتبع السياسات في القنوات والصحف والمجلات، وأعرضوا عن تعلم العلم الشرعي، ما إن تراهم يجتمعون إلا ويتصارعون ويتناطحون فكريًا في القضايا السياسية، لكن إذا جاء العلم الشرعي رأيتهم جهلاء وعنه غرباء ، وبعضهم مع جهله عنده رقة دين لا يُبالي في أن يتكلم في دين الله بغير علم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا

اللهم اشرح صدورنا للإيمان، وعلمنا القرآن.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأهلك الكفرة والرافضة المشركين.

 

 


شارك المحتوى: