الحلقاتُ العَشر في صدِّ عُدوان البُغاة عجيل النَّشمي وموافقِيه على أهل السُّنة والحديث السَّلفيين (الحلقةُ الثَّالثة)

عبدالقادر بن محمد الجنيد

الحلقاتُ العَشر

في صدِّ عُدوان البُغاة عجيل النَّشمي وموافقِيه على أهل السُّنة والحديث السَّلفيين

(الحلقةُ الثَّالثة)

الحمدُ لله الذي حرَّم الافتِراء، وجرَّم الظُّلم، وقبَّح المفترِين، وأذلَّ الظَّالمين، الممتنِّ على العباد بيومٍ يُقتصُّ فيه للمظلوم من الظَّالمين، والمعتدَى عليه مِن المعتدِين الجائرين.

والصَّلاةُ والسَّلام على الصَّادق المصدوق، الذي لم يضرَّه رَمِيُ المبطلين الكاذبين، ونَصَره الله عليهم وأظهره على العالمَين، وعلى آله وأصحابه الخائفين على أنفسهم من خَطِّ أيديهم، ونُطق ألسنتهم، خوفًا لم يُرَ مثله في العابدين المتَّقين، وأتباعِهم المتواصِين بالحقِّ والصَّبر إلى يَوم الدِّين.

أمَّا بعدُ، فيا معاشِر أهل الدِّين والعقل والنُّبل من أهل الكويت – جمَّلكم الله بطاعته، ولزوم هَدْيِ رسوله، وحَفِظَ لكم دِينكم وبلادكم – :

قد طالعتنا وطالعتكم صحيفة «السِّياسة الكويتية» – عاملها الله بقصدها – في يوم الثلاثاء (17/3 /1434هـ – الموافق 29/1/2013م) بمقالٍ متضمِّنٌ لما جاء في بيانٍ جائرٍ خارجٍ عن الحقيقة والعدل، قد رتع كاتبوه في باب الظُّلم والجَور، وسبيل الافتراء والتَّدليس، وطريق الخيانة والغش.

وكانت ديباجته وعنوانه ورأسه هكذا:

[احذَرُوا من خطورة هذه الفِرقة على وحدة الأمَّة.

علماء ودُعاة: أتباع «الجامية» خارجون عن هَدي كتاب الله وسُنَّة نبيِّه].

وهذه مقدمته:

[حذَّر عددٌ من العلماء والدُّعاة الكويتيين من خطورة فرقة الجامية أو المدخلية، لافِتين إلى أنَّ التَّاريخ الإسلامي لم يشهد فِرقة مثل هذه الفرقة الخطرة التي تخصَّصت في تجريح العلماء والجماعات والأحزاب في كلِّ بلدٍ مَهْمَا كانت مكانتهم، ولو كانوا من أهل السُّنة، مُعتبرِين أنَّ أتباع هذه الفِرقة هم خارجون عن هَدي كتاب الله، وسُنة نبيِّه – صلَّى الله وعليه وسلَّم – ، وقالوا في بيانٍ صحافي وقَّعه أربعة عشر عالمًا وداعيًا…].

وقد نُسبت الموافقة على هذا البيان الباغِي إلى عددٍ من المُفتين، والدُّعاة، والموجِّهين للأمَّة والنَّاس في بلاد الله الكويت – سلَّمها الله وسلَّم أهلها من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ – ؛ حيث جاء في خاتمته:

[لافِتًا إلى أنَّ علماء الكويت التَّالية أسماؤهم مَن أُخذت موافقتهم- وغيرهم كثير – يوافقون على هذا التَّحذير، وهُم:

الشَّيخ عجيل جاسم النشمي, الشيخ عيسى زكي, الشيخ نبيل العوضي, الشيخ خالد المذكور, الشيخ شافي العجمي, الشيخ طارق الطواري, الشيخ وليد العنجري, الشيخ حامد عبد الله العلي, الشيخ جاسم مهلهل الياسين, الشيخ أسامة الكندري, الشيخ بدر الرخيص, الشيخ جمعان العازمي, الشيخ أحمد الفلاح, الشيخ يوسف السند].

ثمَّ نُشر هذا البيان المعتدِي في صحيفة «الوطن» الكويتية بتاريخ (19/3/1434هـ – 31/1/2013م).

وعُنوِنَ له بهذا العنوان:

[د.عجيل النشمي لِـ:«الوطن»: الجامية فرقةٌ خطيرة فاحذروها ] !!!.

ودُونكم يا أهل الكويت – سلَّمكم الله – ما جاء في هذا البيان مُقسَّمًا إلى مقاطع مُتسلسلة، على نَفْسِ ترتيبِ ونَظْمِ المكتوب في الصَّحيفة من غَير بَترٍ ولا تقديمٍ ولا تأخير.

وهذه هي حلقتُه الثَّالثة:

(المقطعُ الثَّالث)، وقد جاء فيه:

[وأضاف البيان: أنه في هذا الوقت الحرج الذي تعيشه الأمَّة ظهرت هذه الفِرقة، وجعلت همَّها من حيث الواقع تجريح علماء الفقه والدَّعوة من السَّلف والإخوان وغيرهم، يجمعون تسجيلات ومقالات وخطب الفقهاء والدعاة ثم يبدؤون بالنَّقد الجارِح، ويحمِّلون عباراتهم ما لا تحتمل, ويحملونها على أسوأ المحامل الجارحة، ويستخدمون عبارات نابية غير معهودة بين العلماء ولا بين طلبة العلم, ويتدرَّجُون في التجريح؛ يبدؤون بتبديع الفقهاء والدُّعاة والجماعات, ثم تفسيقهم, ثم وصفهم بالخوارج, ثم إخراجهم من أهل السُّنة والجماعة].

أيُّها الكويتي الحصيف النَّبيل – سدَّدك الله وسلَّمك – :

بين يديك كلام هؤلاء القوم – رزقهم الله التَّوبة والإصلاح – فانظُره بإعمال عَقلٍ، وميزان قسطٍ، وكُن مُدقِّقًا واسع الإدراك؛ حتى لا يلتبس عليك الحقُّ فتضلّ، أو يجرّك الغاوِي إلى براثنه وأنت لا تشعر، وإذا بك قد أصبحت في عِدَاد جُنده، وتنصر حزبه وتنظيمه، وتقوِّي ظُلمه وجهالاته.

ودُونك – قادك الله إلى مراضيه – عدَّة وقفاتٍ تزيد في فَهمِك، وتُعلِي موقفك ولا تسفِّله، وتقوِّي نُصرتك للمظلوم لا الظالمين:

الوقفةُ الأُولى:

إذا كانت الأمَّة تعيش في وقت فتنةٍ واضطراب، أو زمن حَربٍ وسجال مع الأعداء؛ فإنَّ هذا لا يعني أن يترك العلماء والدُّعاة تصحيح ما وقع النَّاس فيه من مخالفة للقرآن والسُّنة، وما فعلوه من شركياتٍ وبدع، وما ارتكبوه من منكراتٍ وفواحش، وما هُم عليه من تفرُّقٍ إلى جماعاتٍ وأحزاب كأنَّها في هَيْكَلَتِها حكومات.

فقد كان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهو قدوة الجميع في أقواله وأفعاله يدعُو النَّاسَ إلى الدُّخول في دِين الله الإسلام، وفي نفس الوقت يُصحِّحُ ما يقعُ فيه المسلمون من خطأٍ في أيِّ أمرٍ مع أنَّهم قِلَّة لا كثرة، والأعداء يتربَّصون بهم، ويكيدون لهم، ويتآمرون عليهم، ويريدون تفرُّقهم وتفريقهم، وكان يجاهد الكفَّار، ويغزو في سبيل الله، وفي نفس الوقت يُصحح ما يقع فيه المسلمون من أخطاءٍ في أثناء المشي إلى الغزو، وقبل الغزو، وبعد الغزو، ولا يقول ليس هذا وقته وحينه؛ لأنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – يعلم أنَّ الذنوب بجميع أنواعها من أشدِّ أسباب تسلُّط الكفَّار على رقاب المسلمين وعلى بلدانهم وأموالهم، وأنَّ التَّوبة والإقلاع عن الذُّنوب هو السبيلُ الأمضَى، والطريقُ الأقوَى، والعلاج الأكيد في رفع هذا التسلُّط، وإزالة العُدوان والإجرام، وإزهاق القهر والإذلال، من سَلَكه عجَّل النَّصر، ومَن تركه أو بطَّأ به خَذَل الأمَّة، وأطال أمد ما بها مِن ضُرٍّ وضَرر.

وعلى طريقه – صلَّى الله عليه وسلَّم – هذا المكين سار أصحابه – رضي الله عنهم – ، وأئمَّة الإسلام المشهورين مِن بعدهم، يغزُون في سبيل الله، وتمرُّ عليهم الفتن والمحن، فيستعينون الله عليها ولا يوقفون ردودهم وتحذيرهم من أهل البدع وأصحاب الضَّلالات.

إلى أن ظهرت في وقتنا الحاضر جماعات وأحزاب وفِرق تنسب نفسها إلى الدِّين والشَّريعة، يطالِبُ أهل زعامتها ودُعاتها ومُفكروها أهل العِلم السُّنيين السَّلفيين بالسُّكوت عن بدعهم وضلالاتهم، وما هُم عليه من بُعدٍ عن الإسلام الصَّافي الذي كان عليه النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه، والتَّابعون وأتباعهم تصريحًا وتلميحًا وتعريضًا، وفي الكتب والأشرطة والمقالات، وعبر الفضائيات والإذاعات والصُّحف ومواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنيت).

ويقولون أمام أتباعهم والمتعاطفين معهم والمنخدعين بهم – ليصرفوهم عن القراءة والاستماع لصوت الحقِّ والهدَى من علماء أهل السُّنة والحديث السَّلفيين – :

«الأمَّة اليوم في محنةٍ شديدة، والأعداء قد تكالبوا عليها، وهؤلاء أشغلوا أنفسهم بالكلام في النَّاس».

وهم في الحقيقة لا يقصدون بـ: «النَّاس» إلا أنفسهم وأحزابهم وجماعاتهم؛ يريدون وقف أو تخفيف الزَّحف السُّني السَّلفي عليهم، والقائمُ على رحمة النَّاس ورحمتهم من تسليط أهل الكُفر والنِّفاق والفساد في الدُّنيا، والعذاب في الآخرة، بكشف بدعهم وضلالاتهم، وتحريف قادتهم وكبارهم ودُعاتهم لنصوص القرآن والسُّنة، وبيان بُعدِهم عمَّا كان عليه النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه والتَّابعين وأتباعهم، وتنقية الشَّريعة من ضلالاتهم حتى لا يُنسب إليها إلا الحقّ، وتصل إلى الأجيال القادمة كما أراد الله ورسوله؛ لا كما أرادوا، وأرادت أحزابهم وجماعاتهم.

وإلى هؤلاء القوم ومن تأثر بطرحهم، وانخدع بقِيلهم وقالِـهم أقولُ:

لا تتعبُوا أنفسكم، ولا تورِّطُوها في مزيدٍ من الفجُور في الخصومة، ولا تهلكوها بظُلم الآخرين، ولا تكثروا من سيِّئاتها وذنوبها بسبب الخوض في أعراض أهل السُّنة والحديث السَّلفيين، فإنَّهم لن ينفِّذُوا ما تريدون، ولن تُوهِن قُوَاهم بَيَاناتكم وتَعَاضُدَاتكم، ولن يتركوا لأجلكم طريق النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وأصحابه وباقي سلف الأمَّة ومَن بعدهم، لأنَّهم يعتقدون أنَّه الحقُّ، وفيه الهداية، وهو سبيلُ النُّصرة، وطريق التَّمكين.

ويعلمون من نصُوص القرآن والسُّنة أنَّه ما تسلَّط الكفَّار على المسلمين بالقتل والإذلال ونهب الخيرات إلا بسبب الذُّنوب التي انتشرت في صفوفهم، وتكاثرت في بلدانهم، من شركياتٍ وبدعٍ ومعاصي.

ولا بأس أخي الكويتي – سلَّمك الله – في ختام هذا الأمر أن أُنوِّر بصيرتك، وأقوِّي في حُجتك واحتجاجك بشيءٍ من سُنة نبيِّك – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، وآثار أصحابه – رضي الله عنه – ، في تأكيد ما مرَّ بك:

فقد أخرج الإمام أحمد في «مسنده» (21897 و21900)، والترمذي (2180)، وابن حبان (6702) – رحمهم الله – عن أبي واقدٍ اللَّيْثِي – رضي الله عنه – : ((أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً)).

وقد صحَّحه: الترمذي، وابن حبان، وابن قيم الجوزية، والألباني، وابن باز، – رحمهم الله -.

وهذا الإنكارُ والتَّغليظ فيه قد وقع من النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في غزوة حُنين، وفي زمن الجهاد في سبيل الله.

وأخرج الإمام مسلم – رحمه الله – في «صحيحه» (870) عن عَدي بن حاتِم – رضي الله عنه – : ((أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَقَدْ غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)).

وهذا الإنكارُ على هذا الخطيب قد وقع من النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – على الفَور عند حصول الخطأ، وفي العَلَن، أمام النَّاس وبمحضرهم.

وأخرج الإمام البخاري – رحمه الله – في «صحيحه» (3700) عن عمرو بن ميمون أنَّه قال وهو يَصِفُ ما جرَى لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي – أخزاه الله – : ((فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ، قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الغُلاَمَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ)).

فانظر – سددك الله – إلى إنكار الفاروق عمر – رضي الله عنه – وتصحيحه، لم ينقطع حتَّى في هذا الحال؛ والعُسر الشَّديد، والوقت الصَّعب الحَرِج، وقت ألمِ طَعناتِ الموت، وجراح مفارقة الحياة.

الوقفةُ الثَّانية:

قال أهل هذا البيان – أصلحهم الله – :

[ظهرت هذه الفِرقة وجعلت همَّها من حيث الواقِع تجريح علماء الفقه والدَّعوة من السَّلف والإخوان وغيرهم].

يا هؤلاء!!

أين الصِّدق؟

أين الإنصاف؟

أين مصداقية الطَّرح؟

أين شرف الخصومة؟

ما هذا الافتراء؟!

كيف تقعون في مثل هذا الجَور؟

كيف بلغ بكم الظُّلم؟

أَخَفَّ ميزان العدل عندكم؟!

يا قوم!

إنَّكم ومَن نَبَزتُمُوه وظلمتموه وبغيتم عليه بكلامكم هذا وما قبله وما بعده لملاقُوا ربّكم يوم التَّناد، وإنَّما هي أيام وليالٍ ويرحلون وترحلون، ويُحشرون وتُحشرون، ويُقتصُّ لهم وينتصفون.

جعلتُم هَمَّهم من حيث الواقع هو تجريح علماء الفقه والدَّعوة من السَّلف والإخوان وغيرهم!

أين جهودهم في نشر التَّوحيد والسُّنة، والتَّحذير من الشِّركيات والبدع في أرجاء الدنيا وأماكن الخلق؟

أين دعوتهم النَّاس إلى الرُّجوع إلى القرآن والسُّنة وما كان عليه سلف الأمة؟

أين تدريسهم وتعليمهم السِّنين الطَّويلة في المساجد، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والمراكز، لِكُتُب العقيدة والحديث، والفقه والتفسير، والفرائض، والمصطلح، وأصول الفقه، والنَّحو والصَّرف؟

أين كُتبهم في سائر العلوم والفنون المختصرة والمتوسطة والمطولة؟

أين خُطبهم ومحاضراتهم وكلماتهم في وَعْظ النَّاس وتذكيرهم وإرشادهم؟

أين مَسَاعِيهم في نُصرة المستضعفين والمنكوبين من المسلمين في كلِّ مكان؟

أين كُتبهم ومقالاتهم وأشرطتهم في الردِّ على الرَّافضة، والمتصوفة، والنُّصيرية، والإسماعيلية، والقاديانية، والبهائية؟

أين جهادهم أعداء الشَّريعة بالقلم واللِّسان من البعثيين، والشُّيوعيين، والعلمانيين، والحداثيين، واللبراليين، والماسونيين، ودعُاة تحرير المرأة، وتجَّار الأعراض والرَّذيلة؟

أين مُنَاصَحَاتِهم للوُلاة والأمراء والوزراء والمسؤولين بالمكاتبة والمشافهة؟

كلُّ هذه الأعمال والجهود تناسيتموها، وتغافلتم عنها، وتعاميتم وغالطتم فيها، كلُّ هذه قد أذهبتموها؟!

نعم إنِّها تذهب وتصبح لا وجود لها حين يَضعُف دِينُ المرء، وتنخرم العدالة والقيام بين النَّاس بالقِسط، ويُنتصر للنَّفس والهوَى لا للحقِّ والهُدَى، وللحزب والتَّنظيم لا للشَّرع والدِّين، وللأخلاء بالباطل على البُعداء.

أَكُلُّ هذا لأجل أنَّهم حذَّروا وكشفوا عن بعض لا كلّ ضلالات وانحرافات «جماعة الإخوان المسلمين» ورموزها ودُعاتها ومفكِّريها؟!

أهذا عدلٌ، أهذا قسط، أهذا إنصاف؟!

ولكن إلى متى ستدوم هذه التَّعمية؟

وإلى أيِّ أمدٍ سيبقَى هذا اللَّف والدَّوران؟

وكم ستظلُّون في هذه المراوغة والمخادعة؟!!

أين الأمثلة على أنهم جرَّحوا علماء الفقه والدَّعوة من السَّلف؟

ما لكم لم تذكروا للقُرَّاء الجزء والصَّفحة، والرابط والموقع، والتَّسجيل والشَّريط؟

أَعَجزتُم أم أفلستم؟

قولُوا لَنَا، بَيِّنُوا للقُرَّاء

أَجَرحُوا محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ، أو السعدي، أو عبيد الله المباركفوري، أو ابن باز، أو الألباني، أو العثيمين، أو محمد خليل هرَّاس، أو عبد الرزاق حمزة، أو عبد الرَّحمن المعلمي، أو عمر فلاته، أو عبد الرزاق عفيفي، أو محمد تقي الدين الهلالي، أو الوادعي، أو الفوزان، أو محمد السُّبيل؟ وأضرابهم وأترابهم.

لكن لا عجب، فهذه عادةُ بيانِكم، وعادةُ كُثر من دُعاة ومُفكِّري «حزب الإخوان المسلمين» مع «أهل السُّنة والحديث السَّلفيين»، لا إعمال لميزان العدل، ولا قيام بالقسط، ولا شرف في الخصومة، ولا تطبيق لما يطالبونهم به معهم.

إلا إن كنتم تقصدون بهذا التَّعميم والشُّمول الذي أطلقتموه أنَّهم نقدُوا أفكار «عبد الرَّحمن عبد الخالق» وأتباعه على طريقته، وما وقع ووقعوا فيه من ضلالٍ وانحراف، ومخالفة للقرآن والسُّنة والسَّلف الصالح؟

إن كان هذا؟! فنعم، وخُذُونا شهودًا عليه.

و«عبد الرَّحمن عبد الخالق» – رده الله وكل مخالف إلى جادة السنة – ليس عندهم في عِداد السلفيين، ولا هو منهم، وإن تَسمَّى بذلك، وقد ردَّ على بعض انحرافاته ونَقَدَه جمعٌ من العلماء، منهم: العلامة ابن باز، والعلامة الألباني، والعلامة الفوزان، والعلامة الوادعي، والعلامة النَّجمي، والعلامة محمد بن عبد الوهاب البنا – رحمهم الله – ، وغيرهم.

وقد صنَّف العلامة ربيع بن هادي المدخلي – سلَّمه الله – في نقد مصنَّفاته ومقالاته وأفكاره، وكشف مخالفاته للدِّين والشَّريعة، وبيَّن ضلالاته وبلاياه، وأظهر طوامِّه وانحرافاته، وقد قدَّم لبعض كُتبه علماءٌ كِبَار من أهل السُّنة والحديث السَّلفيين، منهم: العلامة صالح بن فوزان الفوزان – عضو اللَّجنة الدَّائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة – ، والعلامة محمد السُّبيل – الرَّئيس العام لشؤون الحرمين وإمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة – ، ومفتي جنوب الجزيرة العربية العلامة أحمد النَّجمي، والعلامة محمد بن عبد الوهاب البنا، وغيرهم.

وردَّ عليه، وعلى انحرافاته عدَّةٌ، ومن أقطارٍ مختلفة، وبعضهم من مشايخه، وبعضهم ممَّن زَامَله.

لكنْ لا يصلح منكم هذا التَّعميم، ولا يُقبَل هذا الشُّمول، وحتَّى لو لم تدرسوا كُتب الأصول واللغة، فلا عُذر لكم؛ لأنَّ مثل هذا الأسلوب في الكلام حتى عوَّام النَّاس يعرفونه، فكيف من تصدَّر للإفتاء والتَّدريس والخطابة والتَّأليف.

الوقفةُ الثَّالثة:

مع قول أهل هذا البيان – صبَّر الله أهل السُّنة والحديث السَّلفيين على أذيَّتهم – :

[يجمعون تسجيلاتٍ ومقالاتٍ وخُطب الفقهاء والدُّعاة ثم يبدؤون بالنَّقد الجارح، ويحمِّلون عباراتهم ما لا تحتمل, ويحمِلونها على أسوأ المحامل الجارحة، ويستخدمون عباراتٍ نابية غير معهودة بين العلماء ولا بين طلبة العلم, ويتدرَّجون في التَّجريح؛ يبدؤون بتبديع الفقهاء والدُّعاة والجماعات, ثم تفسيقهم, ثم وصفهم بالخوارج, ثم إخراجهم من أهل السُّنة والجماعة].

وعند هذا الكلام أقولُ لأهل هذا البيان وقُرَّائِه من أتباعهم وعموم النَّاس – رزقنا الله وإياهم القيام بالعَدل والقِسط وجعلنا من أهل الإنصاف – :

أولاً: لا ذَنب لأهل السُّنة والحديث السَّلفيين – سدَّدهم الله وسلَّمهم – ولا لَوم ولا تَبِعة ولا غَضَاضة تَلحقُهم:

“أن وجدوا عددًا كثيرًا من الضَّلالات والانحرافات المبايِنَة للدِّين والشَّريعة، والمناهِضَة للقرآن العزيز والحديث النَّبوي، والمخالِفَة للتَّوحيد والسُّنة، في: كتابٍ، أو شريطٍ، أو مقاٍل، أو فضائيةٍ، أو صحيفةٍ، أو إذاعةٍ، أو موقع إنترنيت، أو تغريدة عبر (تويتر)، فبيَّنوا مخالفتها، وردُّوا على دُعاتها، ونصحُوا أهلَها، ودلَّلُوا على ما قاموا به وقالوه بكتاب ربِّهم وسُنَّة نبيِّهم – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، وأقوال الصَّحابة – رضي الله عنهم – ، ووسَّعوا بِذكر كلام أئمَّة أهل السُّنة والحديث السَّلفيين في كلِّ عصرٍ ووقت، ومن كلِّ نَاحيةٍ ومِصر”.

وإنَّمَا اللَّومُ والذَّنبُ في هذا يكونُ على المخالِف لا على النَّاصح المشفق، والتثريبُ نصيب المخطئ على الشَّريعة لا المصحح له ولخطئه، والتَّبِعَة تلحقُ مَن ضَلَّل النَّاس لا مَن ردَّهم عن ضلاله وبدعته، والغَضَاضة يجبُ أن تنزل بمَن انحرف لا مَن صَحَّح له وللمسلمين؛ حتَّى لا ينجرُّوا إلى الخطيئة والإثم بسببه.

لو سلكنا هذا السَّبيل مع الخطأ والمخطئين، والبدعة والمبتدعين، والانحراف والمنحرفين، لشابهنا من وبَّخهم الله – عزَّ وجلَّ – ، وقرَّعهم في غير ما موضع من كتابه العزيز بقوله: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.

ولو حِدْنَا عنه؛ لَسِرنَا على سَنَن أهل القِسمة الجائرة التي قال الله – جلَّ وعَلا – في شأنها وأهلها: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}.

ولو مَشَينا على هذه الطَّريقة لكان كلُّ مَن سَبَّ أو اغتاب أو نَمَّ أو افترى أو قذف أو بهت إنسانًا بمسمعٍ مِنَّا أو مشهدٍ فوعظه وذكَّره ونَصَحه إنسانٌ آخر عددناه مُجرِّحًا، وفي زُمرة المجرِّحين، وعُدْنَا عليه باللَّوم والتَّثريب، وأَرَيْنَاه الوجوه الغَاضبة؛ مع أنَّه محسنٌ لا مُسيء، وواعظٌ ناصح أمين، لكنَّها لا تعمى الأبصار بل تَتَعامَى، ويَحْكُم غيظ القلوب لا وحي علامِ الغُيُوب.

ثانيًا: إن كان كُتَّاب هذا البيان، والموافقِون عليه، والرَّاضون به، أهل غِيرةٍ على الدِّين والعقيدة لا الجماعات والأحزاب، وأصحاب نُصرة للعِلم والعلماء والفِقه والفقهاء لا المبتدعة والمنحرفين من قادة ودُعاة ومنظِّري الجماعات والتَّنظيمات، ودُعاة نُصحٍ صحيح مطابِق للشَّريعة ومنهج السَّلف الصَّالح لإخوانهم من عوامِّ المسلمين ذكُورًا وإناثًا، شبابًا وكهولاً، صغارًا وشِيبًا:

فليرونا بياناتهم التي تحملُ أسماءَهم وتوقيعاتهم في تحذير المسلمين من التَّشيُّع والرَّافضة، وبيان عقائدهم وضلالاتهم وإجرامهم، واعتداءاتهم على زوجات رسول ربِّ العالمين، وأصحابه المُكرَمِين.

ليخرجوا لنا بياناتهم التي تحمل أسماءهم وتوقيعاتهم في تحذير المسلمين من فِكر وكتابات «سيد قطب» التي فيها القدح في كلِيم ورسول ربِّ العالمين موسى بن عمران – عليه الصَّلاة والسَّلام – ، وتكفير مجتمعات المسلمين، ووصفه مساجدهم بأنها معابد جاهلية، والطعن في أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم – كعثمان بن عفَّان، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، ومدحه وإشادته بالخوارج المجرمين التكفيريين الذين خرجوا وقتلوا ثالث الخلفاء الرَّاشدين المهديين.

لِيطلِعُونا على بياناتهم التي تحمل أسماءهم وتوقيعاتهم في تحذير المسلمين من التكفيريين المعاصرين الذين خرجوا من تحت عباءة بعض الجماعات الموجودة على السَّاحة الدَّعوية فكفَّروا، وفجَّروا، واغتَالوا، ودمَّروا، وأفسدوا، ونقضُوا عهود المسلمين ومواثيقهم مع المعاهدين والمستأمنين؛ فخوَّفُوا، وأرعبُوا، وقتلوا، وشوَّهُوا صُورة الإسلام والمسلمين في عيون أمَّة الدَّعوة من أهل الأقطار المختلفة.

لِيرشدُونا إلى بياناتهم التي تحمل أسماءهم وتوقيعاتهم في التَّحذير من بعض دُعاة «جماعة الإخوان المسلمين» و«دُعاة التَّصوف» الذين يُضلُّون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويُلبِّسون عليهم دِينهم الذي ارتضاه لهم ربُّهم؛ فأجازوا لهم وأباحوا ما أجمع العلماء على تحريمه والمنع منه كالاستغاثة بالأولياء والصَّالحين، والخروج على الحاكم المسلم الجائر، وتحوُّل المسلم من الإسلام إلى الكُفر، وبقاء التي أسلمت في عِصمة الكافر يجامِعُها وتجامِعُه، وأكل ذبائح عُبَّاد الأصنام كالبُوذيين، والاستماع للآلات الموسيقية والعزف بها، والدُّعاء بالمغفرة والرَّحمة لمن مات على الكُفر بالله كالبَابَاوَات وغيرهم، والثَّناء على رؤوس الرَّوافض وتبجيلهم، وغيرها من العظائم المحرَّمة، والمنكرات الغليظة، والسيِّئات الكبيرة، والآثام الشَّنيعة.

أليسوا أحقّ بالبيانات، أليسوا أضرّ على الإسلام والمسلمين، أليسوا أكبر جُرمًا، وأعظم سيَّئة، وأشدّ خطرًا؟

ما لَكُم كيف تحكمون؟!

ما لَكُم تفعلون هكذا؟!

تُصدِرُون بياناتكم في مَن يدعو إلى: قال الله قال رسوله، فيمن يقول للنَّاس: الزَمُوا كتاب الله وسُنَّة رسوله في كلِّ شيء، واجعَلوا الشَّريعة الحَكَم فيما بينكم وبين النَّاس، وفيما بينكم وبين الحُكَّام، وفيما بينكم وبين أهل البدع، وفيما بينكم وبين الكفَّار.

وتصدعون بتحذيراتكم وتتكالبوا وتتعاضدوا على مَن يُدرِّس العِلم والفقه، ويشرحُ الكُتُب والمتون في سائِر العلوم والفنون، ويُحيي عقيدة ومنهج السَّلف الصَّالح بين الخليقة، ويربِّي عليه النَّاشئة والشَّبيبة، ويوجِّه إليه عموم النَّاس، وينشر التَّوحيد والسُّنة، ويحذِّر من الشِّركيات والبدع والمعاصِي، ويحمِي المسلمين ويحصِّنهم من البدع والضَّلالات وأهلها ودُعاتها وكُتبهم ومواقعهم، ويردُّ على: الرَّوافض، والإسماعيلية، والنُّصيرية، والمتصوفة، والخوارج، والإباضية، والتَّكفيريين، والزَّيدية، والمعتزلة، والأشعرية، ودُعاة التَّغريب والفساد.

فمنهم من قضَى نَحْبَه على ذلك، ومنهم من ينتظر أن يموتَ عليه.

لكن! لهم الله، هو حسبُهم، وعليه معتمدهم، فمِنْه المستمد، وعليه المستند، ولا حَول ولا قوَّة إلا به، فنِعم المولى، ونِعم النَّصير.

ثالثًا: زعموا – أبعدهم الله عن ظلم عباده – أنَّ أهل السُّنة والحديث السَّلفيين الذين نبزوهم بـ «الجامية» و «المدخلية»:

[يجمعون تسجيلات ومقالات وخطب الفقهاء والدُّعاة ثم يبدؤون بالنَّقد الجارح، ويحمِّلون عباراتهم مَا لا تحتمل, ويحمِلونها على أسوأ المحامل الجارحة، ويستخدمون عبارات نابية غير معهودة بين العلماء ولا بين طلبة العلم].

ولكن ما أسهل الكلام على اللَّسان، وما أَيسر إخراجه على النَّاس وإشهاره، لكن الصَّعب قبل النطق هو تَذَكُّر قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

وقوله – عزَّ وجلَّ – : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وقول رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)) رواه البخاري (6478).

وأصعبُ منه وأشدّ أن يُضبط بالشَّرع، فيخرج في حقِّ مستحقه بعد ثبوته وموافقة الشَّريعة في الحُكم عليه، لا مجرد التَّحذير، وتلبية رغبة الحزب والتنظيم والأصحاب والأخلاء، فالنَّفْس هي المؤاخذَة وحدها أمام الله بما صَدَر عنها فظلمت به واعتَدت وافتَرت وزوَّرت ودلَّست ولبَّست وغرَّرت وخدعت؛ حتَّى إنَّ الرُّسل بل أُولُوا العَزم منهم ليقولون في ذلك اليوم: ((نفسي نفسي))، حينها لا ينفعُ حزبٌ ولا تنظيم ولا جماعة ولا صاحب ولا خِلٌّ ولا محبٌّ.

يا هؤلاء القوم!

لو حَاكَمنَاكُم في محاكِم الدُّنيا لعجزتم أشدَّ العجز أن تُثبِتُوا أمامهم بالكتاب والجزء والصفحة، والمقال، والموقع الرَّسمي، ما وصفتموهم به من أنَّهم: [يحمِّلون عباراتهم مَا لا تحتمل, ويحمِلونها على أسوأ المحامِل الجارِحة، ويستخدمون عبارات نَابية غير معهودة بين العلماء ولا بين طلبة العلم].

وإلا فكُتُبهم وأشرطتهم ومقالاتهم بين أيديكم، وفي مواقعهم الرَّسمية في الشَّبكة العنكبوتية (الإنترنيت) منذ سنين عديدة، فَأتُونا بعبارات الفقهاء والدُّعاة التي حمَّلوها مَا لا تحتمل من المعنَى؛ بل وحمَلُوها على أسوأ المحامل والمعاني الجارحة.

بَصِّرُونا بالألفاظ النَّابية التي لم يعهدها العلماء ولا طلاب العلم واستَخدمُوها في حقِّ الفقهاء والدُّعاة؛ حتَّى ينظر قرَّاء بيانكم معكم فيها على حدٍّ سَواء، ويحكمون فيها بحُكم الشَّريعة لا الهوَى والحزب والتَّنظيم.

يا هؤلاء!

لو كان الأمر كما تزعمون؛ لأبَنتُم، ولكن كما قِيل: خَوَت فَخَرِبَت، وجعل الله مُبطِلها وفاضِحها منها وفيها، فَلَهُ الحَمدُ، ولو وجدتم أنتم أو أتباعكم ما تزعمون لَطِرتُم به في أرجاء الدُّنيا، وأشهرتموه.

أما النَّقد الجارِح فعبارةٌ مطَّاطة لا تصلح هَاهُنا؛ فالكذَّاب إن قلت له: أنت كذاب، قال: نقدك جارحٌ لي، والمبتدع إن قلت له: أنت مبتدع، قال: نقدك جارحٌ لي، والمرتشِي إن قلت له: أنت مرتشٍ، قال: نقدك جارحٌ لي، والخائن إن قلت له: أنت خائن، قال: نقدك جارحٌ لي، والنَّمام إن قلت له: أنت نمَّام، قال: نقدك جارحٌ لي، والتَّكفيري إن قلت له: أنت تكفيري، قال: نقدك جارحٌ لي، ولا يستقبلونك بالحفاوةِ والأَحضَان، والأُنس والإعجاب، والفَرحة والسُّرور، والشُّكر والعِرفان، والمكافئة والإهداء؛ مع أنَّ نقدك لهم بذلك مقبول في الشَّرع، موافق للعُرف، مطابق للواقع.

النَّقد الجارِح المحرَّم المستبشَع: أن تجرحَ إنسانًا بما هو بريءٌ منه، فتقول له: أنت وهابي، أو أنت جَامِي أو مَدخَلي وهو على عقيدة وطريقة أهل السُّنة، إليها يدعو، وفيها يصنِّف، ولها يشرح ويدرِّس، وعليها يعيِشُ ويحيَى ويرجُو أن يموت.

النَّقد الجارح الكُبَّار: أن تجرح مَن هو مِن أشهر النَّاس دعوةً للكتاب والسُّنة، وأكثرهم حِفظًا لمقام أئمَّة أهل العِلم المشهورين المعروفين؛ لا مقام رؤوس ودُعاة «الإخوان» وأترابهم بأنَّهم خارجون عن هَدْيِ كتاب الله وسُنة نبيه – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الدَّعوة إلى الله، وحِفظ مقام العلماء وكرامتهم.

النَّقدُ الجارِح الْمُحرَّم المستَهجَن: أن تجرحَ إنسانًا بأنَّه أسَّس فِرقة جديدة يُقال لها: «الجامية» أو «المدخلية»؛ وهو بريءٌ من ذلك؛ بل ويُحرِّم إنشاء الأحزاب والجماعات والتنظيمات، ويُدلِّل على ذلك من نصُوص القرآن والسُّنة وأقوال سلف الأمَّة الصَّالح.

النَّقدُ الجارِح الْمُحرَّم الفاحِش: أن تكذبَ على أهل العِلم والفضل؛ فتزعُم أنَّهم قد أطلقُوا ووصفُوا هَذَيْن العَالِمَين وتلامذتهما من أهل السُّنة والحديث السَّلفيين بأنَّهم «مرجئة» !

النَّقدُ الجارِح الْمُشِين: أن تفتريَ عليهم بأنَّهم يقفُون ضدَّ كلّ ما تراه الجماعات حقًّا وواجبًا شرعيًّا.

النَّقدُ الجارِح الْمُخزِي: أن يبلغَ بك الظُّلم والعدوان فتزعُم أنَّ مشروع أهل السُّنة والحديث الذين وصفتهم بـ: «الجامية» أو «المدخلية» هو تفكيكُ الأمَّة؛ لا دعوة الناس إلى التوحيد والسنة وإبعادهم عن تحزُّبات «الإخوان»، و«التَّبليغ»، و«التَّكفير»، و«التَّحرير»، و«دُعاة الرَّفض والتصوف»، و«الاعتزال»، و«التَّمشعُر»، و«الخوارج».

النَّقدُ الجارِج الفَاجِر: أن تكذبَ على أهل السُّنة والحديث الذين وصفتهم بـ : «الجامية» أو «المدخلية» بأنَّهم وقفُوا ضدَّ الأفغان في حربِهم مع الرُّوس، وأنَّهم كانوا يُثبِّطُون المجاهدين ويُوهِنُون عزائم كلِّ مَن يزمع الالتحاق بالمجاهدين؛ والواقعُ أنَّهم من أوائل مَن ذهبَ وناصَر وقاتَل، حتَّى إنَّ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – سلَّمه الله – كان مع المجاهدين بنَفْسِه في جبهات جبال أفغانستان وهو في بحر السِّتين من عُمره، حتَّى أُنزِل منها بسبب شدَّة المرض.

هذا هو جَرحُ النَّاس الْمُحرَّم، هذا هو البَغْي والعُدوان السَّافر علَى الآخرين، هذا هو الإفكُ الكُبَّار، وعَارُ النَّفس والتَّاريخ والسِّيرة، وقَلْبُ الحقِّ إلَى الباطِل، وغَشُّ الأمَّة الفظيع، وخيانةُ القُرَّاء، وتزوير التَّاريخ علَى الأجيال.

رابعاً: لا أدري أين دَرَس هؤلاء المفتُون والمدرِّسون والدُّعاة وطلبوا العِلم والفقه، وعلَى أيدي مَن تلقَوه، وإلا فضعفُهم فيه ظاهرٌ، وفهمهم فيه قاصرٌ؛ بيانُهم قد فَضَحهم وأنزلهم وأخفضهم.

ودُونكم قولهم، فقد قالوا:

[ويتدرَّجون في التَّجريح؛ يبدؤون بتبديع الفقهاء والدُّعاة والجماعات, ثم تفسيقهم, ثم وصفهم بالخوارج, ثم إخراجهم من أهل السُّنة والجماعة].

فيا للعجب!! أَيتلفَّظُ بهذا طالب عِلمٍ مُدقِّق؛ ناهيك عن عالِـمٍ ومُفتٍ ومدرِّسٍ لطُّلاب العِلم ومُحَاضِر؟!

لكنْ هكذا ورد الأمر في بيانهم – ولعلَّ لله تعالى حكمة في تكثير طرق إخزائهم – :

“يتدرجون فيبدؤون بتبديعهم، ثم يُفسِّقونهم، ثم يصفونهم بالخوارج، ثم يخرجونهم من أهل السَّنة والجماعة”.

هكذا يترقَّى أهله في الأحكام!

وإلا فالتَّبديع أعلَى من التَّفسيق، إذ كلُّ مبتدعٍ فاسق، وليس كلُّ من وقع في الفسق يكون من المبتدعة؛ لأنَّ الفِسق يحصُل بارتكاب الكبيرة أو الإصرار علَى الصغيرة، ومن وقع في هذا النوع من أهل التوحيد والسنة يخبر عنه بأنه من فساق أهل السنة، وفساق أهل السنة خير من المبتدعة، ومن وَصفَ أحدًا بأنَّه مبتدعٌ أو خارجي فقد أخرجه من أهل السُّنة والجماعة، بل إن الخوارج من رؤوس فرق المبتدعة، بحيث إذا قيل: خارجي، عرف أنه من مبتدع لا سني.

قال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه «مدارج السَّالكين بين منازل إيَّاك نعبدُ وإيَّاك نستعين» (1/393) :

وفِسقُ الاعتقاد كفِسق أهلِ البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ويحرِّمُون ما حرَّم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ولكن ينفون كثيرًا ممَّا أثبت الله ورسوله جهلاً وتأويلاً وتقليدًا للشُّيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك، وهؤلاء كالخوارج المارقة، وكثير من الرَّوافض، والقدرية والمعتزلة، وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهُّم، وأما غَالِية الجهمية فكغُلاة الرَّافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب، ولذلك أخرجهم جماعة من السَّلف من الثِّنتين والسَّبعين فرقة، وقالوا: هم مُبَايِنُون للمِلَّة.اهـ

وقال ابن الصلاح – رحمه الله – كما في «فتاوى ومسائل ابن الصلاح» (1/219- مسألة: 62) :

كلُّ مبتدعٍ فاسِق، وليس كلُّ فاسقٍ مبتدعًا، والمرادُ: أنَّ المبتدع الذي لا تُخرجه بدعته عن الإسلام؛ وهذا لأنَّ البدعة فسادٌ في العقيدة في أصلٍ من أصول الدِّين، والفِسق قد يكون فسادًا في العمل مع سلامة العقيدة. اهـ

وقال النَّووي – رحمه الله – كما في «فتاوى الإمام النَّووي المسمَّاة بالمسائل المنثورة» (ص: 237- مسألة:14) :

وأمَّا الفِسقُ: فيحصُل بارتكاب كبيرة أو الإصرار على صغيرة. اهـ

وأخرج الهروي – رحمه الله – في كتابه “ذم الكلام” (915) بإسناد حسن عن أرطاة بن المنذر – رحمه الله – أنه قال: ((لَأَنْ يَكُونَ ابْنِي فَاسِقًا مِنَ الْفُسَّاقِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ هَوًى)).

والمراد بصاحب الهوى: المبتدع.

وأخرج ابن وضاح – رحمه الله – في كتابه “البدع والنهي عنها” (127 أو 133) عن العوام بن حوشب – رحمه الله – أنه كان يقول في شأن ابنه عيسى: ((وَاللَّهِ لَأَنْ أَرَى عِيسَى يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْبَرَابِطِ, وَالْأَشْرِبَةِ, وَالْبَاطِلِ, أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَاهُ يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْخُصُومَاتِ)) يعني: أهل البدع. اهـ

وإسناده حسن أو صحيح.

والبرابط هي: العود من آلات اللهو.

وقال العلامة أبو عبد الله بن مفلح – رحمه الله – في كتابه “الفروع” (3/269-270) :

وروى أبو الحسين في “الطبقات” من حديث الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي قال: ((قُبُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ رَوْضَةٌ، وَقُبُورُ أهل البدع من الزهاد حُفْرَةٌ، فُسَّاقُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَزُهَّادُ أهل الْبِدَعِ أَعْدَاءُ اللَّهِ)).

وأخرج الآجري – رحمه الله – في كتابه “الشريعة” (20) بإسناد حسن عن يوسف بن أسباط – رحمه الله – أنه قال: ((أُصُولُ الْبِدَعِ أَرْبَعٌ: الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَالْقَدَرِيَّةُ, وَالْمُرْجِئَةُ، ثُمَّ تَتَشَعَّبُ كُلُّ فِرْقَةٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ طَائِفَةً، فَتِلْكَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً، وَالثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا النَّاجِيَةُ» )).

ووالله ما كان بودنا أن تشينوا أنفسكم وتُزروا بها هكذا، ولا أن تظهروا تجنيها وظلمها وجورها وتُشهروه، فلا نحب لمسلم أن يقع في الإثم، ويقرر الباطل، ويلج باب البغي.

كيف ونبينا صلى – الله عليه وسلم – يقول لنا ولكم: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) أخرجه البخاري (13) ومسلم (45).

ولكن قدر الله وما شاء فعل، هكذا أُمرنا أن نقول.

هذا وللحديث بقية وتتمة وستكون – بإذن الله تعالى – في الحلقة الرابعة وما تبعها من حلقات.

وكتبه: عبد القادر بن محمد الجنيد.

لمتابعة المقال بصيغة pdf

http://islamancient.com/ressources/docs/641.pdf


شارك المحتوى: