التنبيه بترك مشابهة المبتدعة في تخصيصهم يوم المولد بعبادة ما ولو بقراءة السيرة

علي بن عمر النهدي

التنبيه بترك مشابهة المبتدعة في تخصيصهم يوم المولد بعبادة ما ولو بقراءة السيرة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده، أما بعد :

يجب علينا معشر المسلمين معرفة شناعة البدع وحقيقة معناها, فالبدعة كلها ضلالة كما أكد ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في كل خطبة جمعة, ومعنى ذلك أنها لا يمكن أن تعدل وراثيًا فتصبح سنة معدلة بعد أن كانت بدعة ضلالة, فالبدعة بعكس الشِرّعة, فالشِرّعة ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, والبدعة ما لا أصل له من كتاب ولا سنة فكيف إذا كانت محدثة بعد عصور الأئمة والقرون الثلاثة.

وخطورة البدع في كونها تشريع مع الله تعالى, فبدعة المولد مثلًا أصل الشناعة فيها اتخاذ يوم من أيام السنة وتخصيصه باهتمام وتعظيم وأعمال مشروعة في نفسها, ولكن هذا الاتخاذ والتخصيص لم يأذن به الله ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم, ولم يستحسنه أحد من أهل القرون المفضلة, فكيف بالله يكون خيرًا ؟

بل هو شر وبلاء، يكفي بأن فاعله يعتقد بأنه يتعبد الله بعبادة لم يسبقه إليها محمد ولا أصحابه !!!!

وليعلم المسترشد بأن هذه البدعة ليست من المصالح المرسلة في شيء من عدة وجوه :

الأول : أنها خلية عن المصلحة مليئة بالمفسدة, ومن مفاسدها ما تقدم من اعتقاد أفضلية عمل لم يعمله خير العابدين قبلنا, وفيه مشابهة أهل الكتاب الذين يحتفلون بمولد أنبياءهم ونحن مأمورون بمخالفتهم.

الثاني : أن المقتضي كان قائمًا والموانع منتفية ولم يفعلها لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه أو من تبعهم بإحسان, وهذا من أهم شروط كون الفعل يندرج تحت المصالح المرسلة وهذا منتفي تمامًا.

الثالث : أن المحدث لهذه البدعة ليس من أهل العلم, والمصالح المرسلة لا يقرر كونها مصلحة مرسلة إلا الراسخين في العلم .

الرابع : أن القائل بكونها تندرج في المصالح المرسلة لا سلف له من أهل العلم في ذلك فقوله محدث, علمًا بأن كل من أفتى بجواز المولد من شذاذ الفقهاء المتأخرين يُسلّم بكونه بدعة وإنما أجازها من منطلق التقسيم الباطل للبدع في كونها تنقسم إلى بدعة ضلالة وبدعة حسنة, والنص النبوي الشريف المتكرر القاطع يقول : أن كل البدع ضلالة.

حكم تخصيص يوم المولد بقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للعلامتين عبد المحسن العباد وصالح الفوزان حفظهما الله

الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-

السؤال: يقول: فضيلة الشيخ! -وفقكم الله- يكثُر الحديث في هذه الأيام في الصُّحف والقنوات الفضائيِّة، وخطب الجمع في المساجد عن سيرة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحقوقه وأخلاقه؛ لقرب مولِدهِ عليه الصَّلاة والسَّلام، فما حكم هذا الفعل؟ وما هي النَّصيحة للأمَّة في ذلك؟

أجاب الشيخ حفظه الله:

نعم، ذكر سيرة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وأخلاقِهِ عليه الصَّلاة والسَّلام والتَّذكِير بمحبَّته واتِّباعِهِ، هذا مشروعٌ؛ لكنَّه ما يُخصَّصُ بيوم، هذا على مدارِ السنة.

أما الذي تحرَّى هذا الوقت ولا يتكلم في السِّيرة ولا في خصال الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ في هذا الوقت؛ فهذا وسيلة لإحياء البدع تنبَّهوا لذلك.

تنبَّهوا لذلك تخصيص هذا الوقت الذي هو قُرب محل البدعة هذا معناه تعاونٌ مع المبتدعة في إحياء البدعة. نعم.

ولاَّ! ما طرأ عليك تذكر سيرة الرَّسول إلاَّ بهذا الوقت هذا! إلاَّ بسبب إنه ستُحيَى هذه البدعة قريبًا -نعم-؛ فيكون هذا مشاركةً لهم، وتشجيعًا لهم. نعم.

للاستماع للمادة الصوتية:

http://www.alfawzan.af.org.sa/node/3747

الشيخ عبد المحسِن العبَّاد -حفظه الله-

السُّؤال:

هل الاجتماع ليلة المَوْلِد لقراءة شيءٍ من سيرة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، هل ذلك جائزٌ؟

أجاب الشيخ حفظه الله:

لا، ما يجوز! لأنَّ هذا مِن الاحتفال، يجب أنَّ هذا يكون في كلِّ السَّنَةِ؛ من أوَّلِها إلى آخرِها، النَّاس يَشتغلِون بالسُّنَن ويقرؤون الأحاديث، ويعرفون سيرة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم.

ما يخصِّصونها بليلة من ثلاثين وستين ليلة، أو ثلاثين وأربعة وخمسين ليلة؛ يعني طول السَّنَة يكون النَّاس متَّبِعِينَ للرَّسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُشتغلِين بحديث الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وسيرة الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم.

أمَّا أنْ يَخصُّوا ليلةً من الليالي؛ فهـذا من الأمورِ المُحدَثَةِ.

للاستماع للمادة الصوتية:

http://www.archive.org/download/Fatawa-Almawled/Qira3tAseeraFiLmawled.mp3

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَوْسِمٍ غَيْرِ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ كَبَعْضِ لَيَالِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّتِي يُقَالُ إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ، أَوْ بَعْضُ لَيَالِي رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ أَوَّلُ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنُ شَوَّالٍ الَّذِي يُسَمِّيه الْجُهَّالُ ” عِيدُ الْأَبْرَارِ “، فَإِنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ”.[الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/414)]

يقول العلامة الشوكاني اليماني رحمه الله في جواب له عن مسألة المولد : ” جواب المسألة الأولى من مسألتي السؤال، وهي مسالة المولد. فأقول: لم أجد إلى الآن دليلا يدلا على ثبوته من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال، بل أجمع المسلمون أنه لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم، ولا الذين يلونهم … ولم ينكر أحد من المسلمين أنه بدعة … وإذا تقرر هذا لاح للناظر أن القائل بجوازه بعد تسليمه أنه بدعة لم يتمسك بشيء سوى تقليده لمن قسم البدعة إلى أقسام ليس عليها آثار من علم. والحاصل أنا لا نقبل من القائل بالجواز مقالة إلا بعد أن يقيم دليلا يخص هذه البدعة التي يعترف أنها من ذلك العموم الذي لا ينكره – يقصد عموم قوله عليه الصلاة والسلام ((كل بدعة ضلالة)) – .

وأما مجرد قال فلان، وألف فلان، فهذا غير نافق. والحق أكبر من كل أحد على أنا إذا عولنا على أقوال الرجال، ورجعنا إلى التمسك بأذيال القيل والقال، فليس القائل بالجواز إلا شذوذ من المسلمين.

ولا شك أن العامة أسرع الناس إلى كل ذريعة من ذرائع الفساد التي يتمكنون معها من شيء من المحرمات كالمولد ونحوه. فإذا انضم إلى ذلك حضور من له شهرة في العلم والشرف والرئاسة فعلوا المحرمات بصورة الطاعات، وخبطوا في أودية الجهالات والضلالات، وتخلصوا من ورطة الإنكار بقولهم: حضر معنا سيدي فلان وفلان وفلان.

وهب أنه لا يحصل بحضرة هؤلاء الأعيان شيء من المنكرات كما هو الظن بهم، ألا يدرون أن العامة تتخذ ذلك وسيلة وذريعة إلى كل مُنكَر، ويصكون بحضورهم وجه كل مُنكِر، ويفعلون في موالدهم التي لا يحضرها إلا سقط المتاع كل مُنكَر، ويقولن: قد حضر المولد فلان وفلان وفلان ويتمسكون بجامع اسم المولد.

ومن ههنا يلوح لك فساد اعتذار بعض المجوزين بأنه إذا لم يحصل في المولد إلا الاجتماع للطعام أو الذكر فلا بأس به، وأنه لا يلزم من تحريم ما يصحبه من المحرمات تحريمه”. انتهى [الفتح الرباني (2/1087-1090)].

يقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في رسالة في حكم الاحتفال بالمولد النبوي : ” وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول؛ وهم في هذا الاحتفال على أنواع:

– فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد، أو تُقدَّم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.

– ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدمه لمن حضر.

– ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.

– ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك.

وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة …

وخلاصة القول :

أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها, ولا يغتر بمن يروِّج هذه البدعة ويدافع عنها؛ فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً، ومن كان هذا شأنه فلا يجوز تقليده والاقتداء به”. انتهى

وكتبه

أبو طارق علي بن عمر النهدي

الثاني عشر من ربيع الأول 1433 للهجرة

على صاحبها أفضل صلاة وأحسن تسليم

الموافق 4/فبراير/2012م


شارك المحتوى: