الإعلام مرآة الهويّة

عبدالله بن محمد الشبانات

الإعلام مرآة الهويّة

الحمد لله

(الإعلام مرآة الهويّة) أو (أهمية الإعلام في دفع التنمية والمحافظة على الجماعة والوقوف في وجه التحزبات)

[أُهجهم وروح القدس معك] : لقد غيرت هذه الكلمات من النبي صلى الله عليه و سلم مفهوم الإعلام لدى المسلمين من أمر شخصي يقف عند ردة الفعل أو يستفيد منه قائله و تستفيد منه قبيلته بالمرتبة الثانية إلى أمر سماوي مؤيد بروح القدس جبريل عليه السلام فارتفعت أهميّة الإعلام من كونه موهبة و عمل شخصي إلى أمر له ثقله و سياقه الثقافي الجمعي وأهميته في المجتمع و الدولة و خدمة جماعة المسلمين .

فصار الإعلام بمثابة جيش مرابط لحماية ثغور المجتمع و الأمة وما تقوم عليه من دين وعقيدة فروح القدس لا يكون حاضراً في أمر هيّن بل يحضر في أمر أساسي فمنزلة الإعلام و أثره عظيمين جداً بحيث إستلزم أن يكون روح القدس معه وهو جبرائيل عليه السلام .

إنّ الرقي بمفهوم الإعلام إلى هذا الحد لدليل على أهمية هذا النشاط الإجتماعي وهذه الآلة الثقافية العظيمة و على أهمية انجازاتها التي تقدمها في دفع عجلة التنمية و الحفاظ على ثقافة المجتمع و حمايته متمثلا عندنا نحن المسلمين في بيضة الاسلام وحماية منجزات و مكتسبات المجتمع وتقديم رسالة حضارية للبشرية قال الله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فلا يقلّ الإعلام أهميّة عن الجيوش الضاربة بل لقد قال صلى الله عليه وسلم ( تكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار ، اللسان فيها أشد من وقع السيف ) رواه أحمد .

وهذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وهو بلا شك واضح في زماننا هذا والاستدلال بهذا الحديث هنا يأتي في سياق مفهوم المخالفة أي أن إهمال هذا الأمر سيجعل عدوك يستغله استغلالا قذراً فمن الحلول لمنع أن يكون وقع لسان عدوك أشد عليك من السيف أن تجعل اللسان من طرفك ينطق بالحق والقوة معاً، و أن تدحض شبهات عدوك و افتراءاته عليك و لا سبيل إلى ذلك إلّا عن طريق الإعلام .

(عسى الله ان يكف بأس الذين كفروا والله اشد بأسا وأشد تنكيلا).
لقد اهتم الإسلام بالإعلام اهتماماً عظيماً وكذلك أعداء الأمة لكن أعداء الأمة جعلوه لهدم قيم الشعوب و جعلهم تابعين و بلا هوية أو ثقافة مستقلة ليسهل التحكم بهم.

والإعلام في أساسه العلمي و العملي قائم على أمرين:-

الأول/ كونه خبر،
الثاني/ كونه إنشاء،

فالخبر نقل ماينفع بصدق و تثبت والإنشاء هو توجيه الناس حسب فكر وعقيدة القائم على الإعلام والمسيطر عليه وفي الحالة الطبيعية ان المسيطر عليه ليس الكيان الموازي أو الدولة العميقة بل من يمثل قيمة المجتمع العليا و أساسه الثقافي .

لذلك حاول أعدائنا ابعادنا عن حقيقة الإعلام الصحيحة بعدة حيل أبرزها حيلتين إثنتين و ذلك لإستغلال الإعلام لصالحهم وهما:-

الأوّلى: ترغيبية ، والأخرى تنفيرية ، أيّهما نفع عُمل به فالترغيبية هي ربطهمالإعلام بحرية التعبير عن الرأي و ذلك بالمفهوم الجاهلي او الغربي المنفلت وهذه نظرة جاهلية فردية ليبرالية وجعلوا هذا الأمر أساسا للإعلام و قيمته العليا، مع أن الأساس الذي يقوم عليه الإعلام ليس حرية الكلمة بل الأساس الذي يقوم عليه الإعلام هو كلمة الحق في الخبر والإنشاء و التعبير عنها و إعلانها وليس بالتعبير عن الحرية فالحرية حمّالة وجوه وليس لها أساس .

و الأمر الثاني: وهو التنفيري وهو من أبرز حيل أعداء الأمة في الداخل من الحزبيين وغيرهم خصوصا في تنفير المسلم السلفي من الإعلام وتزهيده فيه بربطه بالكذب والزور ليخلو لهم الجو و يفعلوا ما يشاؤون ، فسعوا لإيهام أبناء الأمّة أنّ الإعلام منحصر في الكذب وتزوير الحقائق وهذا خطاء فادح و اتهام للإسلام برفع راية الكذب فيستحيل أن يقول صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أهجهم و روح القدس معك في شيء أساسه الكذب أو أساسه الحرية المزعومة أبداً بل الإعلام مثله مثل أي وسيلة مجتمعية كالجيش العسكري و كالنشاط التجاري ربما تملئ بالخير أو تملئ بالشر فهي تبع للقيمة العليا في المجتمع .

وبنظرة مقارنة بين الإعلام وبين الجيش والأمن لتبيين مدى أهمية الإعلام لنجد أنّه لا يقل أهميّة عنهما. فإن القاعدة العقلية تقول: إن إهمال شيء ما يوجب خروج ما يضاده وإعمال الشيء على وجهه الصحيح يوجب ضمور أو اختفاء ما يضاده.

فإهمال الأمن يوجب حدوث ما يضاده من أعمال السطو والاعتداء التي تخل بأمن الدولة وإعمال الأمن يوجب ضمور الجريمة .

وكذلك إهمال جانب الإعلام الإيجابي داخليا يوجب خروج إعلام مضاد أي أبواق إعلامية داخلية تخل بالأمن كالأبواق الحزبية الداخلية وخصوصا الإعلام على المستوى الشخصي .

و ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي و على الصعيد الخارجي نجد مثلا أنّ إهمال دولة ما لجيشها يوجب اعتداء القوى الخارجية عليها، فكذلك إهمال الإعلام خارجياً يوجب خروج إعلام خارجي مضاد يتمثل في جهات إعلامية أجنبية تحاول العبث بسيادة الدولة والاعتداء عليها وقد استشعر ذلك نظام قطر ومن يدفعه من الحزبيين وغيرهم لأهمية الحرب الإعلامية ومدى تأثيرها وتحقيقها لمقاصدهم و ما أمر قناة الجزيرة و منظومتها الإعلامية عنّا ببعيد فقد انتهكت المجال الإعلامي للدول المجاورة و حاولت تفكيك جماعتها و لحمتها الوطنية بحجة كاذبة وهي (حرية الكلمة لحرية الشعوب) فأفتتن بها كثير من أبناء المسلمين الجهلة المؤدلجون .

فلما جاء الدور على قطر و جارتها شريفه لإعمال هذا المبدأ الدعيّ الذي أعملوه في جيرانهم و أيّام ما يسمى بالربيع العربي صمت بوقها بل نطق بما هو ضد ذلك فخرج في صف نظام الملالي المجرم و محاربا للمظاهرات في ايران و ادّعى أنّها مؤامرة …الخ ، فأتضح أنّه دعيّ في مبدأه بل إنّ مبدأه بنفسه دعيّ .

و كذلك لا ننسى شراء هذه الدويلة لأبواق إعلامية عدة في دول الديمقراطيات الدعيّة في أوروبا وأمريكا كالنيوز ويك وغيرها لتثلب في قياداتنا و تحاول تشويه سمعتها .

إن الدور الاعلامي الفاعل لبناء الامة وحمايتها قد آن له أن يخرج ويأخذ مكانته وبقوة إنّ الوعي بأهمية الإعلام و استشعار خطر إهماله هو الخطوة الأولى لبناء ولتفعيل هذه الآلة الثقافية العظيمة التي لها جوانب تنموية كثيرة أهمّها الجانب الأمني ولكن يجب التعامل مع هذه الآلة الثقافية الهامة بحرفية و استيعاب و أن يكون نشاطها في سياق ثقافة المجتمع وهويته .

فإن من سنن الله الاجتماعية أن أيّ نشاط اجتماعي كالزواج أو الترفيه أو الاعلام يمارس في غير سياق ثقافة وقيم المجتمع فإنّه سيتسبب في صراع ثقافي غير محمود داخل المجتمع وهذه من أسباب ازدياد الاثنية والفرقة في المجتمع التي يستغلها الحزبيون لإضعاف الوطن و ثقافته و لإحلال ثقافتهم و رؤيتهم فيجب التفريق بين النشاط الاجتماعي و سياقه الذي يجب أن يكون فيه فإن المنحرفين والمخدوعين فكريا خصوصا ممن تلبّس بالثقافة الغربية وجعلها نموذجا يحتذي به في كل شيء خصوصا في الإعلام يخلطون بين الأنشطة الطبيعية الموجودة في أي مجتمع بشري كان كالزواج والإعلام والتجارة والترفيه وبين سياقاتها التي يجب أن تكون فيها هذه الأنشطة، وهذه السياقات يتفرد بها كل مجتمع عن الآخر بسبب اختلاف الثقافات ودرجتها فيجعلون النشاط و سياقه شيئا واحدا وهذا تخبط و عذرهم أنّ الغرب طوّر شيئا من شكليات وتقنيات هذا النشاط أو ذاك .

ومن هذا الباب ضعُف محتوى النشاط الإعلامي لدينا وأصبح يخدم ثقافات أُخرى وهنا استغله الحزبيون أيّاً كانوا سواء ليبراليون أو إخوان فتم الترويج على سبيل المثال للثقافة التركية على يد الاخوان وللثقافة الغربية على يد الليبراليين و هذا مثال وغيض من فيض،
فصار كثير من أبنائنا ليس لديه الثقة في ثقافته وبالتالي ضعف الانتماء لها وضعف معه الانتماء للوطن وهم على الأخص جماعة المسلمين وإمامهم،
ولتفادي هذه المشكلة يجب أوّلاً الاهتمام بالإعلام مضمونا قبل أن يكون الاهتمام شكلاً و تقنيا فيعبر الإعلام عن هويتنا ورسالتنا الحضارية للعالم ويرسّخ في قلوب أبناء الوطن حب ثقافتهم وما قامت عليه دولتهم وبالتالي سيترسّخ حب الوطن في نفوسهم .ا.هـ

كتبه اخوكم
عبدالله بن محمد الشبانات
في يوم الأثنين الموافق
١٤٣٩/٥/٦هـ


شارك المحتوى: