الأمن ثمرة الاستجابة لدين الله وتحكيم شرعه

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق

الأمن ثمرة الاستجابة لدين الله وتحكيم شرعه

د. إبراهيم بن عبدالله المطلق *

المتأمل لحال الأمم الغابرة والتي أخبر الله عز وجل عنها في كتابه الكريم بصدودها عن دينه وتكذيبها لرسله عليهم الصلاة والسلام يتبين حرمان هذه الأمم من الأمن الدنيوي والأخروي حيث أخذهم الله بذنوبهم كما أخبر سبحانه: فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون , هذه حالهم في الدنيا العقوبة العاجلة وفي الآخرة أخبر جل وعلا ان الأحق بالأمن هم المؤمنون فقال تعالى : ,, فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ، هذه حال الأمم الغابرة حرموا الأمن بسبب عنادهم ورفضهم للحق وقد سطرت لنا كتب السير والتاريخ حال العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أي في الجاهلية وكيف كانوا مضرب المثل في الحقد والتعالي والتعدي فكانت الحروب الطاحنة تقوم بينهم لأقل سبب كحرب البسوس وداحس والغبراء وغيرها وتدوم سنين طويلة تفقد فيها القبائل كبار رجالها، وكان يأكل القوي فيهم الضعيف، والسبب الرئيس في ذلك هو الجاهلية بما تحمل هذه الكلمة من معاني الشرك بالله تعالى والبعد عن الحنيفية السمحة التي كان عليها أسلافهم قبل وقوع الشرك في الجزيرة, فلما أذن الله سبحانه بمجيء رسوله الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه كتابه المطهر وأمر بتحكيم شرعه فقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى,,, .
وقال سبحانه : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون فاستجاب الناس لدين الله تعالى جماعات ووحدانا ودخلوا في دين الله أفواجا، حينئذ أمن الناس بعضهم بعضاً وانتفى التعدي على الآخرين بقتل أو غيره وعاشت الأمة الإسلامية بأمن واستقرار طيلة العصور التي كانت متمسكة فيها بكتاب الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم, وحين ضعفت الدولة العباسية لم تخضع جزيرة العرب لأي سيطرة بعد سقوط الدولة الأخيضيرية التي حكمت نجداً إلى قرابة القرن الخامس بدأت الفوضى وعم الرعب وانعدم الأمن حتى أصبح الإنسان لا يأمن على نفسه بل لا يستطيع مغادرة مجتمعه ولو فعل قُتل أو سُلب, فهيأ الله تعالى لهذا المجتمع الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله حيث عزم على تطهير نجد بخاصة والجزيرة العربية بعامة بل العالم الإسلامي من براثن البدعة والخرافة وكانت نجدُ آنذاك كما سطر التاريخ ذلك، لا تخضع لحكومة ولا يسيطر عليها أحد بل كان حالها في الجانب السياسي قريباً من حال العرب في الجاهلية حيث كل قبيلة أو قرية تحكم نفسها ولا تقبل السيطرة الخارجية، بل كانت النزاعات أحياناً داخل القرية الواحدة كما هو الحال في حريملاء حيث كانت منقسمة على نفسها، وكما هو الحال في التويم حيث أمضت عاماً او أكثر يطلق عليها المربوعة لأنها قد قسمت أربعة أرباع كل ربع له حكومة خاصة, وحين أراد الله تعالى لهذا المجتمع الخير هيأ الله لهذا المجدد المصلح حين أغلقت الأبواب في وجهه حاكماً عادلا وإماماً رشيداً استجاب لدعوته ورحب به وأكرمه ووعده بالنصرة والتأييد ووفى رحمه الله فتحولت وفي سنوات عدة نجدُ بل الجزيرة العربية إلى مجتمع واحد وأمة واحدة يحكمها إمام واحد وتعمل بشرع الله وحكمه فسادها الأمن والاستقرار حتى ضرب بها المثل ولله الحمد، وحتى كان الراكب يسير ويتنقل لا يخشى إلا الله وما ذاك إلا بالاستجابة لدين الله وتحكيم شرعه, والمتأمل لحال هذه البلاد قبل مجيء الملك عبدالعزيز رحمه الله يجد أنها قد سادت فيها الفوضى وانعدم الأمن وكثر قطاع الطرق، فلما استعاد الملك عبدالعزيز رحمه الله أمجاد أسلافه وحكم آبائه واستعاد منهجهم ونصرتهم لدين الله تعالى وحملهم للواء الدعوة وتحكيم شريعة الإسلام رفلت هذه البلاد بالأمن والاستقرار ورغد العيش حتى أصبحت محسودة من غيرها على ذلك، بينما الأمم والدول التي تنكبت لدين الله تعالى وأعلنت محاربة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سواء من الدول الكفرية أوالتي تظهر الإسلام وترفض تحكيم شرعه، نرى هذه الدول كل يوم تتعرض للمصائب والعقوبات من الزلازل والفيضانات والحرائق وغيرها حتى انعدم الأمن وظهرت الفوضى, وما تميزت بلاد الحرمين الشريفين إلى يومنا هذا إلا بالاستجابة لدين الله تعالى وتحكيم شرعه فسادها الأمن والاستقرار ورفلت بنعم الله تعالى وفضله, نسأله باسمه الأعظم أن يحفظها ويحفظ أمنها واستقرارها وولاتها وعلماءها وأن يديم على أهلها نعمه ظاهرة وباطنة , والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

جريدة الجزيرة – العدد 10156 – الاربعاء 17 ربيع الثاني 1421 .


شارك المحتوى: