استقبال رمضان

د. يوسف بن محمد السعيد

استقبال رمضان

إن الحمد لله …

أما بعد : فإنه لم يبق إلا أيام قلائل ويحل بهذه الأمة شهر عظيم ، عظمه الله تعالى في كتابه ، وعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان » فرض الله تعالى على أهل الإسلام صيامَه ، وشرع لهم قيامَه ، فيه فضائلُ عظيمةٌ ، وأجورٌ كثيرةٌ ، مَن حُرمها خاب وخسر ولم يَلحقْ بالركب ، ومن نالها سَعِد .

عبادَ الله : إن استقبال هذا الشهر الكريم ينبغي أن يكون لا ئقا به ، فهو شهر عبادة وصبر وتلاوة قرآن ، فليس يليق بالعبد المؤمن أن يستقبله بالمعاصي وآلات اللهو والفجور ، أو أن يستقبله بالعزم على إضاعة لياليه بالسهر غير المجدي وإضاعة نهاره بالنوم والكسل .

لقد مضى عام على شهرنا هذا ، فما الذي استودعناه ؟ هل استودعناه خيرا نرتجيه أو غير ذلك ؟ إن كل يوم يمر بنا إنما هو يوم يقربنا إلى الموت الذي نروم الخلاص والمفر منه ، ولا مفر « كل نفس ذائقة الموت » « قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم » قربنا من بعد رمضان الماضي إلى الموت عاما كاملا يتمنى فيه أهل القبور أن يحصلوا منه يوما واحدا ليؤدوا فيه فريضة من فرائض الله ، وأما نحن فسادرون لاهون غافلون ، تتخطف المنايا من حولنا وكأنها ليست نذرا لنا ، ألا فلنتق الله في أنفسنا ، ولنستعد للدار الآخرة ، فإناقريبا إليها صائرون.

عباد الله : إن شهر الصوم لا يثبت إلى بالرؤية الشرعية للهلال ، فإن لم ير أكمل شعبان ثلاثين يوما ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُمِّي عليكم فأتموا عِدةَ شعبانَ ثلاثين يوما » وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُمَّ عليكم فاقدُروا له » فمتى ما أعلنت الدولة أن الهلال رؤي وجب عليك صيامه ، ويكون ذلك بإعلانه من قبل الدولة في وسائل إعلامها .

وليس لأحد أن يتقدم رمضانَ بصيام يوم أو يومين إلا من كانت له عادةٌ بالصوم ، فجاءت موافِقةً ، ولا يجوز صيامُ يومِ الشك ، فعن عمار رضي الله عنه قال : « من صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسمِ صلى الله عليه وسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تَقدموا رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين ، إلا رجلٌ كان يصومُ صوما فليصمْه» .

وينبغي لأئمة المساجد وفقهم الله الحرصُ على أن لا يصلوا التراويحَ إلا إذا أعلن الخبرُ رسميا من قبل الدولة ، وذلك أنه قد يغتر بصلاتهم من لا يحسن العربيةَ والجاهلُ ، فيظن أن رمضان قد دخل .

عبادَ الله : إن هذا الشهر قد لا يدركه أحدنا ، وإذا أدركه قد لا يتمه ، وإذا أتمه فقد لا يعود عليه مرة أخرى ، فاعزموا على فعلِ الطاعات ، وتركِ المعاصي والسيئات ، وعدمِ العودةِ إليها بعد هذا الشهر ، حافظوا على صيامكم من أن يخدِشه شيء ، دَعوا فضولَ الكلام ، فإنه لا خير فيه ، بل فضولُ الكلام سببٌ لميتة القلب ، أشغلوا أنفسَكم بقراءةِ القرآنِ والذكرِ والدعاءِ والاستغفارِ ، والصدقاتِ ، والزموا المساجدَ ، ولقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس في رمضان وفي غيره ، فإذا كان في رمضان كان أجودَ ما يكون ، فاقتدوا به تلحقوا به.

لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابَه بحلول هذا الشهر الكريم، ويبين شيئا من فضله حثا لهم على اغتنام أيامه ولياليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة))، وقال: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)). قال ابن رجب: “هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان؟!”.

وقال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يبق منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أَقْصِر، ولله عتقاءُ من النار وذلك كلَّ ليلة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)).

صوموا رمضان إيمانا واحستابا ، فإنه من فعل ذلك غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، إلا كبائرَ الذنوبِ فلا بد من التوبةِ منها لأنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر مكفِّراتِ الذنوبِ قال : « إذا اجتُنبت الكبائر » .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم …

الحمد لله على إحسانه …

أما بعد : فاتقوا الله عباد ، واشكروا لله نعمَه ، واسألوه المزيد من فضله .

عباد الله : لقد كان السلفُ يتباشرون بهذا الشهر ، ويسألون اللهَ تعالى قبولَه . قال مُعلَّى بنُ الفضل : « كانوا يدعون اللهَ ستةَ أشهرٍ أن يبلغهم رمضانَ ، ثم يدْعونه ستةَ أشهرٍ أن يتقبله منهم » وقال يحيى بنُ أبي كثير : « كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلَّمْه مني مُتقبَّلا » .

لاتتركوا صلاةَ التراويح ، ولا تتهاونوا بها ، فإنها خير موضوع ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « إن هذه الصلاةَ خيرٌ موضوعٌ ، فمن شاء فليستقل ومن شاء فليستكثر » .

بيتوا الصيام من الليل ، فإنه لا يصح صومُ أحدِكم إلا بذلك ، فقد صلى الله عليه وسلم : « من لم يبيت الصيامَ قبل طلوع الفجر فلا صيام له » .

احرصوا على من ولاكم الله أمره ، صوموا أولادَكم ما لم يضرَّبِهم ، وراقبوا من بلغ منهم ، فأجبروه على الصيام .

هذا وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله ، فقد أمركم ربكم بذلك في كتابه …


شارك المحتوى: