اذكر لنا بعض السنن والأحكام المتعلقة بعشر ذي الحجة؟


يقول السائل: اذكر لنا بعض السنن والأحكام المتعلقة بعشر ذي الحجة، وهل لعشر ذي الحجة فضائل؟

يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن عشرة ذي الحجة من أفضل أيام السنَة، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنها أفضل أيام السنَة على الإطلاق ليلًا ونهارًا، ذكر هذا ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه “لطائف المعارف”.

ومما يدل على فضلها أن الله أقسم بلياليها، فقال -سبحانه وتعالى- : {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:٢] قال ابن جرير في تفسيره: أجمع المفسرون على أن الليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة.

أما فضل ليلها ونهارها فقد ثبت في “البخاري” من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما العمل الصالح أفضل منها في هذه» يعني عشرة ذي الحجة، «قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه، يخاطر في ذلك ولم يرجع من ذلك بشيء».

فدلالة الآية والحديث واضحة على فضل هذه العشر، وهي إن لم تكن أفضل من العشر الأواخر من رمضان، فهي من أفضل أيام السنة، فينبغي أن يُجتهد فيها الاجتهاد العظيم.

ومما يؤسف له أنها تمر علينا كبقية الأيام، ومن الخطأ أننا نجتهد في العشر الأواخر من رمضان ونقصِّر في هذه العشر، إن اجتهادنا أو إن اجتهاد كثير من المسلمين في العشر الأواخر من رمضان خير، لكن المفترض أن يكمل هذا الخير بأن يجتهد الاجتهاد الشديد في هذه العشر المباركة، وقد كان سعيد بن جبير يجتهد فيها اجتهادًا لا يطيقه من جده واجتهاده.

ويستحب في هذه العشر ما يلي:

الأمر الأول: الأعمال الصالحة المطلقة، والتي تفعل يوميًا كالصيام والأذكار، لاسيما أذكار الصباح والمساء، وصلاة الرواتب، وقيام الليل، وقراءة القرآن، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.

ومما يدل على استحباب الصيام: “أن أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه أقر ذلك”، كما ثبت عند عبد الرزاق، وهو داخل في عموم الحديث المتقدم؛ لأنه من أعظم الأعمال الصالحة.

وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم جُنة»، أي جُنَّة من النار، هذا في السَّنَة كلها، فكيف في هذه العشر المباركة؟ فالمفترض أن نجتهد على صيامها كلها، وإذا قصَّرنا فأقل تقدير نجتهد على صيام أكثرها.

ومن أهم ما يصام فيها هو اليوم التاسع، وهو يوم عرفة، فقد ثبت في “صحيح مسلم” من حديث قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة، قال: «يكفِّر السنة الماضية، والباقية»، هذا فضل عظيم للغاية.

أما صيام اليوم العاشر وهو يوم العيد فهذا محرم؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد، «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى»، وقد أجمع العلماء على حرمة صيام يوم العيد، سواء كان عيد الفطر أو عيد الأضحى.

إذًا، المقصود بصيام عشرة ذي الحجة أي: الأيام التسع من هذه العشر المباركة.

ومما يستحب في هذا العشر، وهو أمر عظيم، أَلَا وهو التكبير، فقد قال البخاري: قال مجاهد: «كان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما».

والصيغة التي ثبتت عند ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وأصحابه قول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وإن التقصير شديد في إشاعة هذا الذكر في المنازل والطرقات، والأعمال، والأسواق، حتى أصبحت سنة مهجورة.

ومما يستحب في هذه العشر الأضحية، فإنها عبادة عظيمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي.

وفي الأضحية تقرب بإزهاق النفس وإراقة الدم، وهذه عبادة عظيمة، ففي الصحيحين قال أنس: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أقرنين أملحين”، قال: وأنا أفعل ذلك، أي: أن أنسًا رضي الله عنه كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين، رضي الله عنه وأرضاه.

وهذه سنة ينبغي أن يحرص عليها، وأن يحرص على فعلها في البلد بين الأهل والأولاد، حتى تظهر هذه الشعيرة، وفعلها في البلد يكون سببًا للأكل منها، والأكل منها مستحب، كما قال سبحانه: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: ٢٨].

ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر: الحج، وهو أفضل عبادة جمعت بين الجهد البدني والبذل المالي، ويكفي أن الحج ركن من أركان الإسلام الخمس، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، وثبت في فضله أحاديث كثيرة.

منها: ما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».

وإن من أخر الحج مع استطاعته فإنه آثم، وهو واجب على الفور؛ لما ثبت عند البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال، «لِيَمُتْ يَهُوَدِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ثَلَاثَ رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وكان ذا سَعَةٍ وَخُلِّيَتْ له السَبِيلُ».

فمن كان مستطيعًا من الرجال والنساء ولم يحج فإن ذنبه عظيم، لقول عمر هذا رضي الله عنه وأرضاه.

ومما يستحب في العشر، صلاة العيد، ومن فضلها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرج لها العواتق والحُيِّض، وذات الخدور، حتى الحيض اللاتي لا يصلين أُمِرن بالخروج لها، فكيف بالرجال؟ فهم من باب أولى، أو المرأة التي ليست حائضًا.

ثبت في الصحيحين من حديث أم عطية قالت: «كنا نؤمر أن نخرج في العيد بالعواتق، والحيِّض، وذوات الخدور، يشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحُيِّض المصلى».

فالله الله أن نجتهد في هذه العشر، بالأعمال الصالحة، وأن نجاهد أنفسنا، فإن النفس تدعو إلى الكسل والدعة، وتفوت الفرص العظيمة، ولا يدري أحدنا، قد تكون هذه آخر عشر ندركها في حياتنا.

أسأل الله الذي لا إ له إلا هو أن يعيننا جميعًا على طاعته، وأن يجعلنا من السابقين للخيرات؛ إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.


شارك المحتوى: