إفساد المخدرات والمسكرات للدنيا والدين

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

بسم الله الرحمن الرحيم

[إفساد المخدرات والمسكرات للدنيا والدين]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

أما بعد:

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

فإن من أعظم النعم على بني آدم العقلَ، وهو من أميز الفوارق بينه وبين بقية الحيوانات، لذا بيَّن الله سبحانه أن من لا يعقل لا يهتدي، وأن ترك العمل بما دلَّ عليه العقل سببٌ للضلال ودخول النار، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.

وقال عن أهل النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، إلى غير ذلك من الأدلة.

وسمي العقل عقلًا لأنه يعقل صاحبَه عما يسوء ويشين ويضر، كما أن العِقال يُعقل به البعير، فالعقل يُميز بين الخير والشر، وبه يُقبل الإنسان على ما ينفعه، ويترك ما يضره.

وقد علَّقت الشريعة التكليف على وجود العقل، وأن من لا عقل له كالمجنون فإنه غير مكلف، وبهذا يُدرك أن منزلة العقل في الشريعة منزلة كبيرة، لأجل هذا حرمت الشريعة كل ما يُسكره من الخمر والمخدرات وغير ذلك.

وتكاثرت الأدلة في بيان الوعيد المترتب على تعاطي ما يُسكر العقل، لما يترتب على ذلك من الأمور العِظام والجنايات الكبار في الدين وفي المال والعِرض وغيرها.

وقد تنوَّعت الأدلة في الزجر عن المخدرات والمسكرات بصور عدة منها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». رواه مسلم.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». رواه البخاري ومسلم.

أي أن الإيمان يرتفع عنه حال شربه للخمر.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا، وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا». رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني وغيره.

فلما كانت المخدرات والمسكرات والخمر سببًا للشرور والمهالك؛ وذلك أن من سكر فقد عقله ولم يدرِ ما يفعل، كانت الخمر أم الخبائث.

ثبت عند البيهقي أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: «اجْتَنِبُوا أُمَّ الْخَبَائِثِ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ خَادِمًا، فَقَالَتْ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِشَهَادَةٍ، فَدَخَلَ فَطَفِقَتْ كُلَّمَا يَدْخُلُ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ جَالِسَةٍ، وَعِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةٌ فِيهَا خَمْرٌ، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نَدْعُكَ لِشَهَادَةٍ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ أَوْ تَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ كَأْسًا مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، فَإِنْ أَبَيْتَ صِحْتُ بِكَ وَفَضَحْتُكَ» قَالَ: «فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: اسْقِينِي كَأْسًا مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، فَسَقَتْهُ كَأْسًا مِنَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: زِيدِينِي، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ فِي صَدْرِ رَجُلٍ أَبَدًا، لَيُوشِكَنَّ أَحَدُهُمَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ».

أسأل الله أن يعيذني وإياكم وأولادنا والمسلمين أجمعين من أم الخبائث، وأن يُسلم عقولنا وأن يرزقنا العمل بما فيه الخير، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما كانت المخدرات والمسكرات مفسدة للدنيا والدين فلا يعلم إلا الله كم كانت سببًا لسفك دماء وإزهاق أنفس وانتهاك أعراض وتدمير حياة، فكم من شاب أهلكته وفي السجون أودعته، ولسرير المرض ألزمته، ولعقله عطلت وأفسدت.

فأصبح مهملًا قذرًا هزيلًا هائمًا قد دمَّرت حياته وأحبطت آمال أهله والمجتمع فيه.

إنه يجب على المجتمع كله أن يكون يدًا واحدة في مواجهة هذه المخدرات والمسكرات التي تُهرَّب إلى بلاد المسلمين من الكفار، لاسيما لدولة التوحيد السعودية-حرسها الله-، لمحاولة إفساد شباب المسلمين الذين هم قوام المجتمع ودولهم.

إن معرفة أسباب وقوع الشباب في المخدرات والمسكرات سببٌ رئيس ومهم للعلاج، فإن الوقاية خير من العلاج، ومن الأسباب:

الأمر الأول: ضعف الدين، لذا إذا عُظِّم وازع الدين في القلوب منعها من هذه المنكرات والمسكرات لأنها أم الخبائث ومن المنكرات الموبقات المهلكات.

الأمر الثاني: اختيار الجلساء الصالحين، فإن جليس السوء يُؤثِّر أيما تأثير، بل تأثيره أشد من الجرب المعدي، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

الأمر الثالث: إزالة وهم تحصيل السعادة عن طريق هذه المسكرات، فيظن بعض الشباب أنه بتعاطي هذه المسكرات يستطيع أن يبتعد عما يُزعجه من متاعب الحياة ومصائبه كالتفكك الأسري أو غيره، وهذا خطأ كبير، بل هو كالمستجير من الرمضاء بالنار، والواقع خير شاهد.

فليُلاحظ من ابتلى بها، هل استفاد أو للسعادة حصَّل وأفاد؟ كلا، بل زاد سوؤه سوءً -والعياذ بالله-.

فلا أعظم من معالجة الهموم والصعاب بالرجوع إلى رب الأرباب، والتوبة النصوح ومشاورة أهل الخير والمعرفة ومصاحبتهم والأنس بالله وبكتابه، قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَاۖوَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ}.

الأمر الرابع: إزالة وهم أنها نافعة للطلاب والدارسين، بأن يظن من يتعاطاها أو من يتعاطى مقدماتها من المنبهات أنه يستطيع الدراسة والتحصيل.

الأمر الخامس: إزالة وهم تحصيل المال والغنى عن طريق بيع هذه المخدرات والمسكرات، ولو افترض أنها كذلك، فإن هذا المال مالٌ محرم منزوع البركة في الدنيا، ثم يترتب عليه عذاب ووبال في الآخرة.

فكيف والأمر على خلاف ذلك؟ لأن من تاجر بها ابتُلي بها، فإن قُدّر أنه لم يُبتل بها فإن المصائب تتوالى عليه وتترى بسبب أذية المسلمين ودعائهم عليه، لذا ينبغي ألَّا يُلتفت إلى هذا الوهم، لاسيما وقد لا يتم أمره فيُقبض عليه فينال جزاءه الدنيوي قبل الآخرة.

وكل ما تقدم هو بعضٌ من وسائل الوقاية من هذا الداء الفتَّاك والمُفسد للأفراد والمجتمعات والدول.

أما من ابتُلي بهذه المخدرات والمسكرات والخمور فليُجتهد معه فيما يلي:

الأمر الأول: وعظه وتخويفه بالله، وتذكيره أن الموت يهجم فجأة، فما حُجته عند لقاء الله، وقد مات وهو مصرٌ على أم الخبائث والمسكرات؟

الأمر الثاني: يُذكَّر بمفاسد المخدرات الدنيوية على نفسه، بأنها تدمر حياته وتفسدها وتنكد حياة أمه وأبيه وزوجه وولده ومجتمعه، فليكن عاقلًا وليأخذ العبرة من غيره.

الأمر الثالث: يُجتهد في إقناعه بالعلاج والالتحاق بالمستشفيات التي تُعالج من ابتُلي بهذه المخدرات والمسكرات، فلابد أن يكون شجاعًا ذا عزيمة في معالجة نفسه وإصلاحها، فإن التوبة تجبُّ ما قبلها، وإن من أصلح حاله عُومل بما هو عليه اليوم وبما خُتم له، فإن الأعمال بالخواتيم.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم جنب المسلمين هذه المخدرات والمسكرات، اللهم احفظ المسلمين في أديانهم وأعمالهم وعقولهم يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأهلك الكافرين، اللهم اشف من ابتُلي بهذه المخدرات والمسكرات واجعله صالحًا في دينه ودنياه، اللهم عليك بأعداء الدين الذين يُهرِّبون ويُروِّجون مثل هذه الأشياء لشباب المسلمين، اللهم وفق ملكنا الملك سلمان وولي عهده أن يُعزوا دينك وأن يُعلوا كلمتك وأن يكونوا رحمة على الشعوب يا أرحم الراحمين.

اللهم كُن لبلادنا بلاد التوحيد معينًا ونصيرًا وجميع بلاد المسلمين، وعليك بالكفار والرافضة يا قوي يا عزيز.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

 

 

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق

24 / 10 / 1440هـ

@dr_alraies


شارك المحتوى: