برجك اليوم !


بسم الله الرحمن الرحيم

مما ابتلى الله به المسلمين في هذه العصور المتأخرة الاعتقاد في الأبراج، وحكم هذا الاعتقاد يختلف بحسب نوعه، وهو كالتالي:

النوع الأول: اعتقاد أنَّ لهذه الأبراج وحركة الكواكب تصرفٌ مستقلٌّ في الكون، وأنه بها يُعلم الغيب، وأنَّ صاحب البرج الفلاني سيكون حظه جيدًا أو سيئًا… إلخ.

وهذا النوع كفرٌ أكبر مُخرج من الملة -والعياذ بالله- فالله وحده سبحانه خالق كل شيء ومتصرف فيه: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: 62].

وكذلك علم الغيب، فلا يعلمه إلا هو سبحانه: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: 65].

بل رسول الله -وهو رسول الله- ﷺ لا يعلم الغيب، كما قال الله عنه: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 188].

قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: “خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به” [1].

قال النبي ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [2].

ومما يدخل في التنجيم في هذا العصر بوضوح -مع غفلة الناس عنه- ما يكثر في المجلات مما يسمونه البروج، فيخصصون صفحة أو أقل منها في الجرائد، ويجعلون عليها رسم بروج السنة برج الأسد، والعقرب، والثور، إلى آخره، ويجعلون أمام كل برج ما سيحصل فيه، فإذا كان الرجل أو المرأة مولودا في ذلك البرج يقول: سيحصل لك في هذا الشهر كذا وكذا وكذا، وهذا هو التنجيم الذي هو التأثير، والاستدلال بالنجوم والبروج على التأثير في الأرض وعلى ما سيحصل في الأرض، وهو نوع من الكهانة، ووجوده في المجلات والجرائد على ذلك النحو وجود للكهانة فيها، فهذا يجب إنكاره إنكارا للشركيات ولدِّعَاء معرفة الغيب وللسحر وللتنجيم؛ لأن التنجيم من السحر كما ذكرنا، ويجب إنكاره على كل صعيد، ويجب أيضا على كل مسلم أن لا يدخله بيته، وأن لا يقرأه، ولا يطلع عليه؛ لأن الاطلاع على تلك البروج وما فيها- ولو لمجرد المعرفة- يدخل في النهي من جهة أنه أتى الكاهن غير منكر عليه.” [3].

النوع الثاني: ألّا يُعتقد في الأبراج التأثير بذاتها ولا أنه من خلالها يُعلم الغيب، لكن يُعتقد أنَّ الولادة في الشهر الفلاني أو في البرج الفلاني سببٌ لتكوين شخصية معيَّنة لِمَن وُلِد في ذلك الشهر.

وهذا النوع شركٌ بالله، وهو شركٌ أصغر؛ لأنَّ الأبراج ليست سببًا حقيقيًّا في التأثير في الشخصيات، ولم يثبت ذلك لا بالشرع ولا بالعلم التجريبي الصحيح، فهي إذن سببٌ وهميٌّ.

والاعتقاد في الأسباب الوهمية شرك أصغر، ويدل لذلك عموم أدلة تحريم التمائم والطيرة، فالجامع لها أنها أسبابٌ وهمية اعتقد صاحبها أنها أسباب حقيقية، ومن أدلة تحريم الشريعة لهذه الخرافات:

عن أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ – قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ – فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، «أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ» [4].

فمنعَ النبيُّ ﷺ من تعليق الوَتَر على البهائم لجلب الخير ودفع الشر لأنه سببٌ وهميّ.

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثَلَاثًا، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» [5].

أما إذا اعتقد تأثير الأبراج استقلالًا من دون الله، فهذا شركٌ مُخرجٌ من الملة، وهو يرجع إلى النوع الأول.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: “ولبس الحلقة ونحوها: إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله؛ فهو مشرك شركا أكبر في توحيد الربوبية؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقا غيره.

وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثرا بنفسه؛ فهو مشرك شركا أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببا؛ فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببا. وطريق العلم بأن الشيء سبب:

إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.

وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعا في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهرا مباشرا” [6].

تنبيه: هذه الاعتقادات بنوعيها ليست خاصّةً بالأبراج فحسب، بل قد ظهر في بعض وسائل التواصل كالفيسبوك وغيره ألعاب فيها تنبُّؤ بالمستقبل وبالشخصيات… الخ، فليحذر المسلم منها غاية الحذر وليُحذر غيره ممن يتساهل في ذلك، فإن الأمر خطير ولو كان على وجه اللعب والتسلية!

✍🏻 محمد بن عبدالحفيظ

===============

[1] أخرجه البخاري 6 / 295 معلقًا، ووصله ابن جرير في التفسير 1 / 91.

[2] مسلم (2230).

[3] التمهيد شرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ، (ص 348).

[4] البخاري (3005) مسلم (2115).

[5] أبو داود (3910) ابن ماجه (3538) وصححه الألباني.

[6] القول المفيد شرح كتاب التوحيد، لابن عثيمين (1 / 165).


شارك المحتوى:
0